مقالات في الماسونية

اعداد :رياض مخول

رئيس محفل عكا – رقم 36

 

أبناء الأرملة

(الجزء الأول)

في الأسطورة والأصول و...

التأريخ والتوجهات

(محاولة)

 

أكرم أنطاكي

لأنِّي في النهاية لا أبالي

لا بهمومكم، ولا بنميمتكم...

باربارا – أغنية

Moi, je m’en balance

 

 

1

مقدمة "محامي الشيطان"

ويصير التكرار مملاً في النهاية! والمصيبة دائمًا هي أن أصحابه، الناطقين بما قد يبدو وكأنه لسان حال "الجماعة" – أية جماعة – لا ينتبهون إلى هذه النقطة. لذلك تراهم يكتبون ويكتبون ويملئون المنابر صياحًا، مهاجمين ذاك الذي يُفترَض أن يُجمِع "الكلُّ" على عدائه – ذلك "الرجيم" الذي يُفترَض أن نحمِّله، دائمًا وأبدًا، بإصرار قد يصل إلى حدِّ البلاهة، مسؤولية جميع مصائبنا؛ ما قد يدفع بنا، نحن القراء المساكين، إما إلى حال من اللامبالاة وعدم الاكتراث، كما هي اليوم حال معظم مثقفينا في دنيا العرب، و/أو إلى الخروج عن المألوف، والمخاطرة بسمعتنا، وربما حتى بأرواحنا، من خلال التعمق في البحث والتمحيص فيما قيل ويقال. الأمر الذي (قد) يوصلنا، بحكم "جهالتنا المستحكمة"، النابعة من "طبيعتنا الإنسانية الفاسدة"، إلى نتائج قد تكون مغايرة لتلك التي توصَّل إليها أولئك "العلماء الأفاضل"! وأحلم أنْ ربما كانت هذه غاية البعض منهم في الحقيقة – ومنذ البداية...

وكان من أوائل "شياطين الفكر" التي قابلتُها في حياتي، ذلك الذي واجهتُه أيام شبابي، في أواخر الخمسينات من القرن الماضي. حينئذٍ كانت الوحدة مع مصر. وكنت، كمعظم أبناء بلدي، متحمِّسًا جدًّا لتلك "التجربة الرائدة"، ومعجبًا، بصفة خاصة، بقائدها السيد الرئيس جمال عبد الناصر، رحمه الله. ولكني أتذكر جيدًا أيضًا أنه، حينئذٍ، كانت جميع وسائل إعلامنا تهاجم، صباحًا ومساءً فقط، وبإصرار، "شيطانًا رجيمًا" سُمِّيَ آنذاك بـ"الشيوعية" التي كانت تربطها، إلى حدٍّ ما، بالصهيونية – تلك "الشيوعية" التي كان يهاجمُها الغرب أيضًا، وعلى رأسه أمريكا، كما كان يهاجمها حتى إسرائيل – "عدونا اللدود". ولكن، حينئذٍ أيضًا – وكانت بدأت تتسع، إلى حدٍّ ما، دائرة قراءاتي، وكنت قرأت لروسُّو عن مفهوم العدالة الاجتماعية –، كان أستاذٌ وكاهنٌ من مدرستي يلفتان انتباهي إلى الضرورات الأخلاقية لتحقُّق مفاهيم تلك العدالة في عالمنا الحقير هذا؛ أي إلى ما كان يدعى أيضًا، وإنْ من منظورهما، "شيوعية". وكانت نتيجة تعمقي النسبي في دراسة هذا الموضوع، والتقصِّي حوله بعقل وحماس شابٍّ كان حينئذٍ في مقتبل العمر، أني أصبحت شيوعيًّا، وأني بقيت على هذه "الحال التعيسة"، بهذا الشكل أو ذاك، ما يناهز العشرين عامًا. وأعترف هنا، للمناسبة، أني مازلت إلى اليوم – لسذاجتي – متأثرًا، إن لم أقل مقتنعًا، بأحد أهمِّ قيمها الإنسانية الخالدة التي هي... العدالة.

وكان من أواخر "شياطين الفكر" التي واجهتُها، بدءًا من أواسط الثمانينات من القرن الماضي، يدعى هذه المرة بـ"الماسونية" – تلك التي يجمعون عندنا اليوم أيضًا على ربطها بالصهيونية – التي يحمِّلونها مسؤولية كلِّ "المؤامرات" التي حيكت وتحاك ضدنا و/أو جميع المصائب التي حلَّتْ ومازالت تحلُّ بنا. وكان أيضًا – وإن كان الأمر هذه المرة لأسباب مختلفة، قد يكون بعضها، ربما، عشقي لموسيقى موتسارت و/أو حبي لفولتير و/أو لليف تولستوي، الذين كانوا ماسونيين كبارًا في زمن لم تكن هناك حركة صهيونية بعد! و/أو ربما حبِّي واحترامي لعبد القادر الجزائري، الذي كان من مريدي الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، و/أو لجمال الدين الأفغاني و/أو لمحمد عبده و/أو لعبد الرحمن الكواكبي، الذي كان قريبي، الأديب والصحفي عبد المسيح الأنطاكي، من أتباعه، والذين كانوا جميعًا أيضًا، كما يقال، من "الفرمسون"، والذين لم يكونوا قطعًا سُذَّجًا و/أو مخدوعين، كما لم يكونوا قطعًا صهاينة و/أو مؤيِّدين للصهيونية – أن دُفِعْتُ للخروج عن المألوف والمتعارَف عليه المفترَض اليوم، وإلى المزيد من التقصِّي حول هذه الظاهرة المثيرة التي انكببتُ سنواتٍ على دراستها بما أتيح لي من إمكانات.

والنتيجة كانت أني لم أصبح ماسونيًّا (بعد) هذه المرة أيها السادة و... – هذه المحاولة المتواضعة، التي أقدمها لكم كمحصلة ونتيجة لما توصلت إليه حولها من استنتاجات وقناعات، قد لا تسرُّ بعضَكم حتمًا... لكن، ليس باليد حيلة. ونبدأ أول ما نبدأ بـ...

2

العنوان...

الذي نرى، قبل الغوص فيه، ضرورة التأكيد على أن مرجعيَّاتنا الأساسية، ضمن سياق هذا البحث، ستعتمد إجمالاً وبشكلٍ عام – لكن طبعًا بعد التدقيق والتمحيص – على ما يقوله أصحاب العلاقة عن أنفسهم أولاً؛ وأيضًا وثانيًا على ما يقوله عنهم "خصومُهم" و/أو، بطبيعة الحال وخاصةً، كتَّاب "محايدون"...

لأن تعبير أبناء الأرملة – الذي يُستعمَل عادةً للدلالة على "الفرمسون" – قد يبدو، بادئ ذي بدء، غامضًا بعض الشيء، ويستحق القليل من الشرح لمن ليست لديه فكرة عن الموضوع... حيث...

يقول الماسوني بيريغو[1][1] Perigou إنه "... بوسعنا القول إن الفرمسون هم أبناء الأرملة بمعنى أنهم أبناء الطبيعة العذراء دائمًا والمتجددة أبدًا...". أما الماسونية جيدالج[2][2]Gédalge فتقول إنه "... تُطلَق هذه التسمية على الفرمسون للتذكير بالأرملة التي كانت أمَّ المهندس المعمار حيرام؛ وأيضًا، بإيزيس، "الأرملة الكبرى" لأوزيريس، من خلال بحثها عن أعضاء زوجها المتناثرة. فكلتاهما يمكن اعتبارهما أمًّا للماسون الذين انطلقوا للبحث عن جسد معلِّمهم حيرام بعد أن اغتاله ثلاثة من رفاق السوء، وما يرمزون إليه من سيئات مدمرة للإنسان هي الجمود والحسِّية والغرور...". أما الماسوني راغون[3][3] Ragon فيقول إنه "... في شهر كانون الأول، حين يبدو وكأن شمس الشتاء على وشك أن تغادر أحوالنا المناخية، لتسود فيما نعرفه بنصف الكرة الجنوبي، تظهر الطبيعة وكأنها قد ترمَّلت من زوجها الذي يخصبها كلَّ سنة بمحبته – الأمر الذي يُحزِن أبناءها. لذلك فإن الفرمسون، كتلاميذ للطبيعة، يعيدون تكرار هذه الأقصوصة الجميلة، ويسمون أنفسهم بـ"أبناء الأرملة" (أو أبناء الطبيعة)...". ويتوسع راغون[4][4] قائلاً إنه "... بوسعنا أن نستنتج من هذا التفسير أن حيرام، كمهندس ومعمار لهيكل سليمان، وكبطل للأسطورة الماسونية، هو، من خلال رمزه، أوزيريس (أو الشمس)؛ بينما أرملته، التي هي إيزيس (أو الطبيعة)، هي المحفل الذي يرمز في الوقت نفسه إلى الأرض. أما حورص، الذي هو ابن أوزيريس، أو ابن الأرملة، فهو الماسوني الساكن في المحفل الأرضي...". وهذا ما يؤكده أخيرًا المعلم والباحث الماسوني الكبير أوزفالد فيرث[5][5] Oswald Wirth حين يقول إن "... الأرملة التي يدَّعي الماسون أنهم أبناؤها هي إيزيس، رمز الطبيعة، والأم الكلِّية، التي هي، في الوقت نفسه، أمُّ أوزيريس، الإله الخفي وموقِد الذكاء...".

ونجد أنفسنا منذ البداية...

أمام أسطورة جميلة تتحدث عن معلم بنَّاء (و/أو عن ملك) كان يدعى حيرام – وَرَدَ اسمُه في كتاب "العهد القديم" أو "التوراة"، حيث جاء، مثلاً، أنه "... أرسل الملك سليمان فأخذ حيرام من صور وهو ابن أرملة من سبط نفتالي وأبوه رجل من صور صانع نحاس وكان ممتلئًا حكمة وفهمًا ومعرفة في عمل كلِّ صنعة من النحاس فوفد على الملك سليمان وعمل كلَّ صنعته..."[6][6] – وكان، كما يقال، البنَّاء الحقيقي لهيكل سليمان قبل أن يقتله رفاق سوءٍ حاولوا أن ينتزعوا منه "الأسرار المقدسة لمرتبته المهنية الأعلى".

ونجد أنفسنا، بالتالي، من خلال هذه الأسطورة، أمام أسطورة أخرى هي الأساسية والأجمل في الديانة المصرية القديمة، ألا وهي أسطورة الخليقة – وأقصد هنا، أسطورة إيزيس وأوزيريس. لكننا...

إنْ عدنا إلى التسمية أو اللقب الذي هو Free-Mason (بالإنكليزية) أو Franc-maçon (بالفرنسية)، الذي تعني ترجمته الحرفية إلى العربية البنَّاء-الحر، فإن الواقع الفعلي والتاريخ الملموس يعيدنا إلى أصول أكثر واقعية (وربما إلى حدِّ ما أكثر تواضعًا)، ألا وهي تجمعات البنَّائين، وخاصة منهم بنَّائي الكاتدرائيات في العصر الوسيط، أولئك الذين كانت لهم طقوسهم وتقاليدهم المتشابهة في معظم البلدان، والذين كانوا "أحرارًا"، بمعنى أنهم لم يكونوا في ذلك الحين عبيدًا أو أقنانًا؛ ومن هنا جاءت تسميتُهم بـ"البنَّائين الأحرار"... أولئك الذين تشهد بعض الوثائق أنهم بدؤوا، منذ نهايات القرن السابع عشر أو أوائل القرن الثامن عشر، بالقبول في تجمعاتهم، على أساس فكري و/أو فلسفي و/أو ربما من منطلق نفعي و/أو ذرائعي، أفرادًا لا علاقة لهم عمليًّا بمهنة البناء الأصلية، كما يشهد على ذلك، مثلاً، التعميم الصادر عام 1703 عن "المحفل الإنكليزي للقديس بولس (حاليًا محفل Antiquity N° 2)، حيث جاء أنه "... لن تكون الامتيازات الماسونية، من الآن فصاعدًا، ملكًا حصريًّا للبنَّائين العمليين، إنما ستمتد لتشمل رجالاً من مختلف الاختصاصات شريطة أن تتمَّ مسارَرَتهم وقبولهم في الطريقة بشكل نظامي ..."[7][7] – مشيرين هنا إلى أن تجمعات معلِّمي الكار هذه، التي تعود من حيث أصولها إلى بدايات الحضارة الإنسانية، أي إلى بنَّائي الأهرامات في مصر القديمة و/أو إلى بنَّائي تلك المنشآت المدنية الرائعة، من أبنية وجسور وطرق ومنشآت ريٍّ ومسارح في العصر الروماني و/أو إلى بنائي قلاع وقصور وكاتدرائيات العصر الوسيط، ما زالت موجودة إلى يومنا هذا في مختلف أقطار أوروبا وفي معظم بلدان العالم. لذلك فإننا حين نتمعَّن...

3

في بدايات الماسونية التأملية[8][8] الحديثة...

لا بدَّ أن نأخذ بعين الاعتبار ما قاله أوزفالد فيرث[9][9] بهذا الخصوص من أنه "... تُعتبَر بعض الأفكار عامل جذب يجمع بين أفراد منعزلين وتصبح، بالتالي، محورًا لتجمعهم. لأن أيَّ تجمع لا يتشكل لمجرد توفُّر جماعة قد تفتقد أول ما تفتقد إلى التوازن أو التجانس. فالتجمع يحتاج حتمًا، كي يتحول من مجرد جمع لأشخاص معينين إلى كلٍّ متجانس، إلى قانون عضوي تستند إليه حياة الجماعة التي يضمها. لأن كلَّ تجمُّع بحاجة إلى فكرة؛ وهذه يجب أن نميِّزها عن الشكل. فالفكرة، أو الروح، هي المولِّد المجرد والجامع؛ بينما الأم هي الشيء الملموس أو الشكل. وهذان العنصران اللذان يشكلان المبادئ الأولى للتنظيم الماسوني يتمثلان بعمودين يرمز أولهما، الذي يمثل العنصر المذكر–الفاعل، إلى ما يؤسِّس ويقيم؛ بينما يرمز الثاني، الذي يمثل العنصر المؤنث–المفعول، إلى ما يدعم ويحافظ. لذلك، واستنادًا إليه، فإنه ليس بوسع المؤرِّخ المستنير بضوء الفلسفة إهمال هذين العاملين – الأمر الذي قد يوصله إلى نتيجة هامة مفادها أن سجلات مؤسَّستنا هي في الحقيقة أقدم بكثير من العام 1717 الذي هو عام ولادة الم... الح... الحديثة...".

لأن الأسطورة – وفي حالنا هذه تحديدًا – هي المفتاح الأساسي لتفهم ما حصل وجاء بعدها، وخاصةً أنه...

في 24 حزيران 1717، حين اتحدت أربعة محافل لندنية هي "الإوزَّة والمشواة"The Goose and the Gridiron و"التاج" The Crown و"شجرة التفاح" The Apple Tree و"الطاس وعناقيد العنب" The Rummer and Grapes فيما أسمته آنذاك "محفلاً أكبر"، فكان أول محفل أكبر تأملي من نوعه حتى ذلك الحين. وانتخبت أول "معلِّم أعظم" لها، كان حينئذٍ أنتوني ساير، الذي تلاه في العام 1718 جورج باين، ثم جان تيوفيل ديساغولييه (الفرنسي الأصل)، لتعود الرئاسة من بعدُ إلى جورج باين، ثم دوق مونتاغو في العام 1721، الذي شهدتْ الماسونية الإنكليزية في عهده، وعلى يده، انتشارًا واسعًا.

وكان في 17 كانون الثاني 1723 إقرار دساتير أندرسُن، أو ما سُمِّيَ وعُرِفَ بـدساتير الأخوية القديمة والمحترمة للبنَّائين الأحرار والمقبولين[10][10] – تلك القواعد التي أضحت، منذ ذلك الحين، ولم تزل تُعتبَر إلى اليوم، النصَّ الأساسي، إن لم نقل دستور الماسونية التأملية العاملة.

ثم انتشرت الماسونية بعد هذا انتشار النار في الهشيم في أوساط النخب الأوروبية المستنيرة، التوَّاقة إلى التحرر الفكري والانعتاق من جور كنيسة تلك الأيام وجمودها؛ فتوالدت محافلُها وتشعبت. فكانت محافل أخرى جديدة في إنكلترا واسكتلندا وإيرلندا. ثم انتقلت بعد هذا إلى القارة الأوروبية، ومنها إلى مختلف أصقاع المعمورة، ومن ضمنها طبعًا إلى بلداننا، حيث كانت الأرضية عامةً، وفي أوساط النخب المحلية خاصةً، مهيأة لاستقبالها – ما سنحاول تلمُّسه، قدر الإمكان، من خلال هذا البحث...

4

موجز تأريخي "ماسوني" مختصر

ونرى من الضروري هنا أيضًا التأكيد على ما قد يفاجئ القارئ، وأسميناه بـ"ماسونية" هذا الموجز التأريخي، ليس لأننا ماسون، الأمر الذي سبق وأكدنا على نفيه (أصدَّقتُم ما ندَّعيه بهذا الخصوص، أيها السادة، أم لم تصدِّقوا!)، إنما لأننا ارتأينا، لدواعي الدقة العلمية، من جهة، وتجنبًا للوقوع في خطأ جسيم أضحى مع الأسف شائعًا جدًّا، من جهة أخرى، الفصل والتمييز بين ما يورده الماسون أنفسهم، على اختلاف توجهاتهم، من خلال أدبياتهم، كتأريخ رمزي وواقعي لحركتهم، وبين التاريخ (الفكري والسياسي) الإنساني العام، ومواقف الماسون خلاله، سواء كأفراد و/أو كتوجهات. ونبدأ من هنا، مؤكدين أيضًا على أنه...

لما كان من المستحيل، ضمن إطار محاولة بحث محدودة ومتواضعة كهذه، الإحاطة بتاريخ قد تتطلب الإحاطة به الآلاف المؤلفة من الصفحات فإن ما سنستعرضه ونركز الضوء عليه هو مجرد نقاط علام أساسية، إن لم نقل بعض التواريخ الهامة التي قد توضح، إلى حدٍّ ما، كيفية تطور الماسونية وانتشارها في القارة الأوروبية، أولاً، وفي فرنسا – التي ارتأيناها مثلاً معبِّرًا ومميَّزًا – من بعدُ تحديدًا؛ ومن خلال كلِّ هذا أيضًا، متابعة انتشارها في القارة الأمريكية ثانيًا. و... في مشرقنا العربي، ومن ضمنه بلدنا سوريا، خاصةً...

 

 

4-1

بعض التواريخ الأساسية المتعلقة بانتشار الماسونية أوروبيًّا وعالميًّا

-       في 17 كانون الثاني 1723 كان إقرار كتاب الدساتير لجيمس أندرسُن.

-       في 24 آذار 1924 شارك 12 محفلاً في انتخاب دوق مونتاغو رئيسًا للمحفل الإنكليزي الأعظم.

-       في العام 1728 تأسَّس المحفل الإنكليزي الأكبر لفرنسا، الذي تلاه من بعدُ عددٌ من المحافل ذات التوجهات الإنكليزية. وقد استمرت الأوضاع على هذه الحال (في فرنسا) حتى العام 1756، حين تحرر هذا المحفل (الفرنسي) مما افتُرِضَ بأنه "وصاية بريطانية"، فأصبح اسمُه "المحفل الفرنسي الأكبر". أمَّا "الشرق الفرنسي الأكبر" فقد ولد في العام 1773.

-       في العام 1731 كان تشكيل أول محفل في الولايات المتحدة الذي هو المحفل الأكبر لبنسيلفانيا. ثم تلاه في العام 1732 المحفل الأكبر لفرجينيا. ثم في العام 1791، في بوسطن، كان إنشاء أول محفل للسود في أمريكا ("محفل أمير الغال").

-       في العام 1737 كان الخطاب الشهير لأندريه ميشيل دُهْ رامسي الذي وضع أُسُس الإيكوسية (وما أضحى يعرف من بعده بـ"الدرجات العليا").

-       حوالى العام 1750 أسَّس "قبالي" من أصول برتغالية يدعى مارتينيز دي باسكوالي طقسًا ماسونيًّا سِرَّانيًّا أسماه بـ"مصطفي كوهين"، الذي كان مقره مدينة بوردو الفرنسية. وكان أحد أبرز ممثلي هذا الاتجاه حينئذٍ فيلسوف مغمور يدعى لوي كلود دُهْ سان مارتان، الذي أضحى هذا الطقس من بعدُ يعرف باسمه، أي الطقس الـ"مارتيني".

-       في العام 1751 حصل أول انشقاق هام في قلب الماسونية الإنكليزية، فيما عُرِفَ حينئذٍ بالخلاف بين الماسون "المحدثين" (الذين كانوا الأقدم والأكثر ليبرالية) والماسون "القدماء" (الذين كانوا الأحدث والأكثر محافظة). ثم عادوا فاتحدوا عام 1813، ليشكلوا المحفل الأكبر البريطاني المتحد.

-       في العام 1801 تأسَّس في تشارلستون في الولايات المتحدة أول مجلس أعلى عالمي للـ"طقس الإيكوسي (أو الاسكتلندي) القديم والمقبول"؛ ذلك الذي أسَّس بدوره في العام 1804 في باريس ثاني مجلس أعلى عالمي.

-       في العام 1842 كان إنشاء أول محفل ماسوني خاص باليهود في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أسمي هذا المحفل بالـ"بني بعريت" أو "أبناء العهد"[11][11] الذي انتشر من بعدُ بين النخب اليهودية في أوروبا والذي يتبع الطقس الإيكوسي الممارَس في المحافل الإنكليزية أو شبيهه الطقس الأمريكي المعروف بالأود فيلووز.

-       في العام 1875 انعقد في مدينة لوزان في سويسرا مؤتمر ماسوني دولي تم فيه إقرار بيان وإعلان مبادئ. وكان أهم ما جاء فيه التأكيدُ على مفهوم "مهندس الكون الأعظم" الذي وُصِفَ حينئذٍ بالقوة العليا. ولكن في...

-       في العام 1877، بحجة التمسك بالعلمانية، ألغى الشرق الأعظم الفرنسي من طقوسه الاستشهاد بمهندس الكون الأعظم، مما أدى حينئذٍ إلى انقطاع العلاقات بينه وبين المحفل الأعظم البريطاني المتحد. وأيضًا إلى...

-       استقلال المحفل الفرنسي الأعظم في خريف العام 1895.

-       في العام 1893 أسست السيدة ماريا دوميستر (التي نالت مسارَرتها في العام 1882 في محفل "المفكِّرين الأحرار" في بيك) أول توجُّه ماسوني مختلط (للرجال وللنساء)، أضحى يعرف من بعدُ بـ "الحق الإنساني"[12][12].

-       في العام 1913 تأسَّس في فرنسا المحفل الأكبر المستقل والنظامي، الذي أضحى يُعرَف بالمحفل الوطني الفرنسي الأكبر.

-       ومن هذا المحفل انبثق في العام 1935، "بالتبنِّي"، الاتحاد الماسوني النسائي الفرنسي، الذي تحول في العام 1952 إلى المحفل النسائي الفرنسي، منتقلاً بهذا من حالة "التبني" إلى حالة الاتباع المباشر للطريقة الإيكوسية القديمة والمقبولة...

ونستنتج مما سبق أول ما نستنتج أن للماسونية طقوسها وتوجهاتها المختلفة التي من الممكن – استنادًا إلى مصادرها – تعدادها إجمالاً كما يلي...

4-2

في المناحي و/أو التوجُّهات (الطقوس) الماسونية الرئيسية[13][13] Obédiences

-       الطقس القديم والمعدَّل المتبع بشكل خاص في بلجيكا وهولندا؛ وهو قريب جدًّا من الطقس الحديث أو الفرنسي.

-       الطقس الإنكليزي للماسون القدماء الأحرار والمقبولين الذي يتعاطى مع ما يعرف بماسونية القديس يوحنا، أي إضافةً للدرجات الثلاث الأول: 1. مريد، 2. رفيق، 3. أستاذ، ماسونية الفلك الملكي، أي الدرجات: 4. معلِّم مميَّز، 5. معلِّم قديم، 6. معلِّم ممتاز و7. فلك ملكي، وهو الطقس الذي يُعَدُّ، إلى جانب الطقس الإيكوسي، من الأكثر انتشارًا في إنكلترا وفي العالم.

-       الطقس الانتقائي Maçonnerie éclectique الذي يتَّبعه المحفل الأكبر لفرانكفورت على الماين؛ وهو يرفض جميع الدرجات العليا ولا يعتمد إلا الدرجات الثلاث الأساسية الأولى؛ وهو، من حيث طقوسه، قريب جدًّا من الماسونية الإنكليزية.

-       الطقس الإيكوسي (أو الاسكتلندي) القديم والمقبول، ذلك الأكثر شهرة الذي يتبع جميع الدرجات الرمزية التي نعددها كما يلي: 1. مريد، 2. رفيق، 3. أستاذ، 4. أستاذ مكتوم، 5. أستاذ كامل، 6. أمين ثقة، 7. قاض وحَكَم، 8. مدير الأبنية، 9. أستاذ مختار التسعة، 10. أستاذ مختار الخمسة عشر، 11. فارس أعلى منتخب (أو رئيس الأسباط الاثني عشر)، 12. مهندس معلِّم أعظم، 13. الفلك الملكي، 14. معلِّم قديم كامل، 15. فارس السيف، 16. أمير بيت المقدس، 17. فارس الشرق والغرب، 18. الأمير الأعظم للصليب الوردي، 19. الحبر العظم أو الإيكوسي الأعظم، 20. معلِّم أعظم محترم لجميع المحافل، 21. فارس بروسي أو أستاذ أعظم لمفتاح الماسونية، 22. الفأس الملكي أو أمير لبنان، 23. رئيس المظلة، 24. أمير المظلة، 25. فارس الثعبان البرونزي، 26. أمير الرحمة، 27. القائد الأعلى للمعبد، 28. فارس الشمس، 29. الاسكتلندي الكبير للقديس أندراوس الإيكوسي، 30. المنتخب الأعظم فارس قدوش، 31. القائد المفتش المحقِّق الأعظم، 32. الأمير السامي للسرِّ الملكي، 33. المفتش العام الأكبر الأعظم...

-       الطقس الإيكوسي (أو الاسكتلندي) الفلسفي: ويتبع، إضافة للدرجات الثلاث الأولى غير المعلنة التي تصله بالماسونية الدولية، ثلاث عشرة درجة عليا يسميها بتسميات خاصة ذات طابع رمزي.

-       الطقس الإيكوسي (أو الاسكتلندي) البدائي: وهو متَّبع في بلجيكا، ويتبع الدرجات العليا.

-       طقس فسلر أو المحفل الأعظم ليورك الملكية: وكان يُتَّبع في ألمانيا عامة حتى العام 1800 ويمارس 9 درجات.

-       الطقس الفرنسي أو الحديث: ويمارس الدرجات الثلاث الأولى، إضافة إلى الدرجات الأربعة العليا التالية: 4. المختار، 5. الإيكوسي، 6. فارس الشرق، 7. الصليب+الوردة.

-       طقس المحفل الأكبر ذو الكرات الثلاث: ويُتَّبَع في برلين.

-       الطقس الهايتي (أو المارتيني).

-       طقس هيريدوم أو طقس الكمال: ويتبع خمسة وعشرين درجة.

-       طقس ممفيس-مصرايم: ويتبع سُلَّم درجات عليا يختلف من حيث الظاهر عن الدرجات الـ33 المتعارف عليها. وهي تصل إلى التسعين درجة بالنسبة للطقس الممفيسي القديم وإلى الـ99 بالنسبة لطقس ممفيس–مصرايم المتحد.

-       الطقس أو النظام المعدل: ويتبع خمس درجات.

-       طقس أو نظام شرودر: ويتبع الدرجات الثلاث الأولى وبعض الدرجات العليا التي تستند إلى الفلسفة أو إلى الثيوصوفيا.

-       الطقس السويدي: ويتبع اثنتي عشرة درجة، على رأسها ملك السويد.

-       طقس أو نظام سفيدنبرغ: ويتبع ستَّ درجات.

-       طقس الهيكل: وهو يشبه الطقس الفلسفي، ويتبع سبع درجات.

-       طقس أو نظام زينندورف: ويتبع سبع درجات.

لكن المشكلة تبقى أن هذا الكلام، وبالتالي هذا التعداد، الذي، وإن كان يدل على وجود اختلافات "فعلية" في قلب الماسونية، إنما يبقى غريبًا وغير مفهوم بالنسبة إلى أناسنا العاديين الذين قد يحتاجون إلى شرح أكثر تفصيلاً وأكثر بساطةً للأمور، بلغة يُفترَض أن تكون اليوم أكثر عصرية؛ الأمر الذي قد يستدعي من قبلنا إعادة المحاولة من جديد، من أجل شرح وتفهم...

4-3

المناحي والتوجُّهات الأساسية للماسونية المعاصرة

ونجد في محاولتنا الجديدة هذه لإعادة تعريف الماسونية، استنادًا إلى ما يقوله أبناؤها عن أنفسهم، إنها، كما كان (ومازال) يُفترَض أن تكون، مجرد: "تنظيم مسارَري نقلي، يستند إلى مبادئ الأخوة، ويشكل اتحادًا بين بشر أحرار ذوي أخلاق حسنة من كلِّ الأعراق والجنسيات والمعتقدات، ويعمل من أجل الإصلاح الأخلاقي للإنسانية...".

ونستزيد... لأننا، بعد أخذ العلم بأن في عالمنا اليوم (كما يقولون) ما يزيد عن الخمسة ملايين ماسوني، منتشرين في مختلف بلدان العالم، وملاحظة أن هؤلاء الذين كانت تفترض الأحوال (نظريًّا) تبعيَّتهم لـ"محفل أكبر" واحد في كلِّ بلد، هم، عمليًّا مشتتون، كما رأينا، بين مناحٍ وتوجهات مختلفة – اختلافات تعود في الحقيقة ربما إلى وجود على أرض الواقع، إن صحَّ التعبير، دوائر نفوذ بوسعنا تقسيمها بشكل عام إلى:

-       ماسونية-حرة أنكلوسكسونية التوجُّه (وتشكل 80% منها من حيث عدد الأعضاء)؛ و...

-       ماسونية-حرة أوروبية التوجُّه (تضم الباقين).

أما الماسونية الحرة التي تقع ضمن إطار التوجُّه الأنكلوسكسوني، التي تشكل 80% من الحركة الماسونية تقريبًا، فهي تدور في فلك توجُّهات المحفل الأعظم العالمي الأم الذي هو حاليًّا المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد United Grand Lodge of England. وهذا يعترف، وفق مقاييسه، كما سبق وأسلفنا، بمحفل أعظم واحد فقط لكلِّ بلد. أما فيما يتعلق بالمقاييس أو نقاط العلام التي يعتمدها هذا التوجُّه فإن بوسعنا، بشكل عام، إيجازها بما يلي: الاعتراف بمهندس الكون الأعظم، إلزامية الكتاب المقدس، وإلزامية الزاوية والفرجار؛ كما أنه لا يقبل النساء مبدئيًّا في مجمل محافله.[14][14] أما...

الماسونية الحرة ذات التوجه الأوروبي فهي، بشكل عام، أكثر تنوعًا وأكثر ليبرالية، حيث تختلف مناحيها بين محافل "ليبرالية" (غير نظامية وفقًا للمفهوم الإنكليزي)، لا يلتزم بعضها الاعتراف أو التوجُّه إلى "مهندس الكون الأعظم"، وأخرى تقبل النساء في صفوفها و/أو محافل نسائية، و... محافل أخرى (نظامية) أكثر "محافظة" وأقرب إلى التوجُّه الأنكلوسكسوني أو تابعة له. لذلك فإننا، إن أخذنا على سبيل المثال لا الحصر، فرنسا كبلد نموذجي، لوجدنا أنه توجد هناك:

-       محافل نظامية وتقليدية كـ:

·        المحفل الفرنسي الكبير[15][15] La Grande Loge de France

·        المحفل الأكبر الوطني الفرنسي[16][16] La Grande Loge Nationale Française

وهو المحفل الفرنسي الوحيد الذي يقيم علاقات نظامية مع المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد؛ ويعتبر ثاني المحافل الفرنسية من حيث تعداد أعضائه.

·        المحفل الأكبر التقليدي والرمزي – الأوبرا[17][17] La Grande Loge Traditionnelle et Symbolique – Opéra

·        المحفل الوطني الفرنسي[18][18] La Loge Nationale Française

·        المصلى الكبير لبلاد الغال Le Grand Prieuré des Gaules

-       ومحافل ليبرالية (غير نظامية) كـ:

·        الشرق الفرنسي الكبير[19][19] Le Grand Orient de France

وهو المحفل الرئيسي والأول في فرنسا.

·        المحفل الأكبر النسائي الفرنسي[20][20] La Grande Loge Féminine de France

·        التنظيم الماسوني الدولي المختلط أو الحق الإنساني[21][21] L’Ordre Maçonnique Mixte International – Le Droit Humain

·        التنظيم المُسارَري والتقليدي للفن الملكي L’Ordre Initiatique et Traditionnel de l’Art Royal

-       ومنظمات (أو جمعيات) ماسونية أخرى، أهمها:

·        جمعية عشاق الحقيقة The Philalethian Society التي تأسست في العام 1928، وكان ينتمي إليها عدد من كبار الماسونيين، كالأديب روديارد كبلنغ وأوزفالد فيرث إلخ. وهي تشترط أن يكون جميع أعضائها من الفرمسون النظاميين.

5

حول انتشار الماسونية في بلدان المشرق العربي...

ونشير هنا إلى الشحِّ الكبير جدًّا في المعلومات وفي الوثائق، حيث لا توجد أية دراسة جدية و/أو محايدة بهذا الخصوص. هنالك فقط بعض ما يقوله بعض كبار الماسون العرب الأوائل (وإنْ بلغتهم الخشبية) عن أنفسهم، كشاهين مكاريوس أو جرجي زيدان؛ وهناك أيضًا بعض ما قاله حينئذٍ بعض "معارضيهم"، وأهمهم في أوائل القرن الماضي الأب (اليسوعي) لويس شيخو، وحاليًّا الصديق د. حسين عمر حمادة. ومما قدمه هؤلاء، ومن وثائق أخرى، بوسعنا أن نقول، ولو بشكل أولي، أن نشوء الماسونية الحديثة في بلدان مشرقنا العربي إنما كانت نتيجة عاملين أساسيين اثنين هما:

-       أولاً: الحداثة الأوروبية التي سرعان ما تلقَّفتْها في بلادنا نخبٌ كانت تتطلع إليها وتحاول تقمصها والاستفادة منها من أجل النهوض بأوطانها؛ و...

-       ثانيًا: واقع وجود أساس محلِّي متمثل على أرض الواقع بتقاليد معرفية وسِرَّانية عريقة في هذه البلدان – كانت ذات يوم منبع الأديان السامية الثلاثة (على اختلاف تشعباتها) – كالقبالة بالنسبة لليهود، والغنوصية بالنسبة للمسيحيين، وخاصةً الطرق الصوفية والباطنية بالنسبة للمسلمين الذين يشكِّلون أغلبية سكان هذه البلاد...

لذا لم يكن نشوء وانتشار الماسونية الحرة في بلادنا أمرًا مستغربًا على الإطلاق – تلك التي يقول التاريخ أنها نشأت أول ما نشأت...

5-1

في مصر[22][22]...

في أواخر القرن الثامن عشر... حيث يتحدث هنا د. حسين عمر حمادة، فيقول إن "... وضع الرحالة محمود خير الدين صاحب الشورى[23][23] كتابًا عن رحلاته مما جاء فيه... أن الماسونية الرمزية انبعثت في مصر عام 1798، عندما احتلها نابليون بونابرت. فقد أسس الجنرال كليبر وعدد من الضباط، وكانوا من "الأخوة الماسونيين" – كما يذهب جرجي زيدان[24][24] إلى تأكيد ذلك – محفلاً في شهر آب عام 1798 دعوه محفل إيزيس، يعمل على طريقة ماسونية تسمى الطريقة الممفيسية أو الطريقة الشرقية القديمة...".

هذا وقد "... تأسَّس في سنة 1838 في القاهرة محفل تحت رعاية المجلس العالي الممفيسي الفرنسي واسمه مينيس. وفي سنة 1845 تأسس في الإسكندرية تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنسي محفل الأهرام الذي أسسه الفرنسيون بشرق الإسكندرية. وقد التحق به قسم عظيم من رجال البلاد من الوطنيين والأجانب، ومنهم الأمير حليم محمد علي باشا والأمير عبد القادر الجزائري و"الكلِّي الاحترام" سلفاتوري أفنتوري زولا..."[25][25]

كما أنشأ "... المحفل الأعظم الإنكليزي في القاهرة عام 1867 محافل رمزية تحت رعايته، منها محفل الكونكورديا، ومحفل البلور؛ ومعظم أعضاء الأخير من ضباط الجيش الإنكليزي. وبعد ذلك أسست محافل أخرى منها محفل كوكب الشرق..."[26][26] الذي "... كان

يعمل باللغة العربية، [و] كان لا يؤمه إلا المصريون فحسب، و/أو من هم في حكمهم؛ منهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان بثا فكرة الاستقلال ومقاومة النفوذ الأجنبي في البلاد..."[27][27]

وأيضًا، لما "... تعددت السلطات الماسونية بمصر، وكان إيمان الممفيسيين كبيرًا في نشر دعوتهم معتمدين على أساسين:

أولاً: التخلص من التبعية الأجنبية.

ثانيًا: جلب العنصر الوطني إليهم.

فقد استندوا في تأسيس السلطة الماسونية الوطنية المصرية على أساس وحدة العمل والتسامح بالنسبة لجميع الطرق الماسونية المتبعة في مصر آنذاك، (حيث)...

-       ... بشهر أيلول عام 1864... حصل الماسوني إسكاروترا على براءة من المجلس السامي الإيطالي للدرجة 33 للمملكة الإيطالية فرع وادي النيل؛ [و] ...

-       ... عام 1865... حصل الماسوني بوريجار على براءة تأسيس مجلس البطاركة بدرجات 95 للعظماء المحافظين على طريقة ممفيس البنَّائية (الطقس الشرقي).

-       ... عام 1867... حصل الأمير عبد الحليم... على براءة تأسيس المحفل الأكبر الإنكليزي الإقليمي للبلاد المصرية وملحقاتها...".

وفي 8 تشرين الثاني من العام 1864 "... اجتمع عدد من قدماء الماسون يتقدمهم المركيز بوريجار، وقرروا تأسيس الشرق الأعظم المصري أو مجلس البطاركة..."[28][28]

الذي تفرَّع عنه من بعدُ، في العام 1876، المحفل الأكبر الوطني المصري؛ هذا المحفل الذي أسَّس عدة محافل وترأَّسه السيد إدريس الراغب مدة 31 عامًا، وشهد انشقاقات عديدة.

وقد استمرت الماسونية عاملة في مصر بشكل علني وشرعي، حتى كان العام 1964 حين صدر "... قرار رسمي بإغلاق وحلِّ المحافل الماسونية في جميع أراضي الجمهورية العربية المتحدة..."[29][29] التي اكتشفت السلطاتُ يومئذٍ (أي بعد 12 عامًا من ثورة يوليو 1952[30][30]) أنها كانت تستعمل "رموزًا يهودية"... أما...

5-2

في بلاد الشام (لبنان، سوريا، إلخ)[31][31]

 

فيقول الأب (اليسوعي) لويس شيخو[32][32] بهذا الخصوص، نقلاً عن جرجي زيدان ودون التوسع الموثق في التفاصيل، "... أن أول محفل تأسس في سورية قد تأسس في بيروت سنة 1862 تحت رعاية الشرق الأعظم الاسكوتلندي وعرف بشرق فلسطين رقم 415 وترأس عليه كثير من الأخوة الأفاضل. أما لغته الرسمية فالفرنساوية...". ثم "... في السنة 1869 تأسس في بيروت محفل آخر تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنساوي [عُرِف] بشرق لبنان ولغته الرسمية هي العربية. أما مخابرته مع الشرق الفرنساوي فبالفرنسوية. وكان رئيسه في أول أيامه الأخ ... جرجي الخوري ثم ترأسه نقولا حجي وكاتب الأسرار الأخ ... مكاريوس...". ثم أنشئت محافل أخرى، كمحفل الزهرة ومحفل فينيقيا ومحفل السلام ومحفل صنين ومحفل المغارة السوداء ومحفل سورية (في دمشق) ومحفل سليمان الملوكي في يافا إلخ.

أما د. حسين عمر حمادة،[33][33] الذي سيبقى كتابه الموثَّق حول الماسونية والماسونيون في العالم العربي، حتى إشعار آخر ورغم نواقصه، المرجع الأساسي الأهم حول هذا الموضوع، فيفيدنا إجمالاً بأن الماسونية نشأت أول ما نشأت في بلاد الشام؛ إنما كان...

-       في لبنان حيث...

·        كما يقول جرجي زيدان،[34][34] "[تأسَّس] أول محفل في مدينة بيروت سنة 1862 تحت رعاية الشرق الأعظم الاسكتلندي [وعُرِفَ] بشرق فلسطين رقم 415، وقد ترأسه كثير من الإخوان الماسون من جملتهم قنصل إنكلترا. وانتظم في سلك العشيرة الحرة عددٌ غفير من أعيان البلاد وثراتها، من وطنيين وأجانب، ولم يشتغل إلا بالدرجات الرمزية، أما لغته الرسمية فالفرنسية...".

·        "... وتأسس في بيروت سنة 1869 محفل آخر، تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنسي، [عُرِفَ] بشرق لبنان، ولغته الرسمية العربية، أما اتصالاته مع الشرق الفرنسي فبالفرنسية...".

·        ثم توسعت الحركة وتطورت، وخاصة على يد السيد شاهين مكاريوس الذي "... كان يشغل عام 1881 مهمة كاتب سر محفل لبنان، وكان بالإضافة إلى ذلك مؤسِّس محفل اللطائف في مصر ومحفل فينيقيا في بيروت عام 189..."،[35][35] أو على يد السيد جرجي يني الذي شهد أيضًا حينئذٍ تأسيس عدد من المحافل، حتى كانت الحرب العالمية الأولى والانتداب الفرنسي على سورية ولبنان...

·        في العام 1923 كان يوجد في سورية ولبنان وفلسطين "... ثلاثون محفلاً تضم نحو خمسة عشر ألف ماسوني، وتنتمي إلى أربعة [أو خمسة] شروق هي:

§        أولاً: الشرق الأعظم الاسكتلندي و[كانت] له تسعة محافل هي:

·        محفل السلام في بيروت؛ رئيسه الدكتور عفيش.

·        محفل قاديشا في طرابلس؛ رئيسه عبد الله غريب.

·        محفل فم الميزاب في ميناء طرابلس؛ رئيسه الأمير أسعد الأيوبي.

·        محفل صنين في الشوير؛ رئيسه فارس مشرق.

·        محفل الكرمل في حيفا؛ رئيسه باترو أبيلا.

·        محفل طوروس في الإسكندرية؛ رئيسه قيصر صايغ.

·        محفل إميسا في حمص؛ رئيسه الخوري عيسى أسعد.

·        محفل جبل لبنان في الشويفات؛ رئيسه القس طانيوس عبده.

·        محفل صلاح الدين في عكا.

§        ثانيًا: الشرق الأعظم الفرنسي و[كانت] له ستة محافل هي:

·        محفل لبنان في بيروت؛ رئيسه سعيد صباغة.

·        محفل سورية في دمشق؛ رئيسه نعمان أبو شعر.

·        محفل زهرة العاصي في حمص؛ رئيسه حسن موصلي.

·        محفل أورنتس في حماه؛ رئيسه عيسى الباوي.

·        محفل كسروان في جونية؛ رئيسه يوسف ثابت.

·        محفل أرز لبنان في سوق الغرب؛ رئيسه حبيب الحتي.

§        ثالثًا: المحفل الأكبر الوطني المصري وله شرق إقليمي لسورية وفلسطين برئاسة الأستاذ الأعظم الداماد أحمد نامي، ومقام خليج بيروت للدرجة 18، ومقام الأرز في ميناء طرابلس وعشرة محافل هي:

·        محفل الرشيد في بيروت؛ رئيسه الدكتور حسن الأسير.

·        محفل بيروت؛ رئيسه الشيخ إبراهيم منذر.

·        محفل الثبات في بيروت؛ رئيسه حسن المخزومي.

·        محفل الاتحاد في بيروت؛ رئيسه جميل بيهم.

·        محفل دفنة في أنطاكية؛ رئيسه محمد آل يحيى.

·        محفل الميناء الأمين في أسكلة طرابلس؛ رئيسه جرجي ندلي.

·        محفل فينيقيا في بيروت.

وهذه المحافل السبعة كانت (للأستاذ الأعظم) محمد علي. و...

·        محفل شرق بيروت؛ رئيسه فضل الله أبي حلقة.

·        محفل الشمس؛ رئيسه مصطفى مخزومي.

·        محفل الحاج؛ رئيسه يوسف الحاج.

وهذه المحافل الثلاثة الأخيرة (للأستاذ الأعظم) إدريس الراغب.

§        رابعًا: المحفل الأكبر الفرنسي وكان له أربعة محافل هي:

·        محفل الحكمة في بيروت؛ رئيسه لبيب الرياشي...

·        محفل الشمس في بعلبك؛ رئيسه عبد الغني الرفاعي.

·        محفل قاسيون في دمشق؛ رئيسه حسن الجندي.

·        محفل الانبعاث في حلب؛ رئيسه نوري المدرس.

§        خامسًا: الشرق الأعظم الإيطالي وكان له محفل واحد هو:

·        محفل الأونيون في طرابلس؛ رئيسه موسى النحاس..."[36][36]

·        أما بعد الاستقلال (عام 1965 مثلاً) فنسجل:[37][37]

§        أولاً: وجود محافل تنهج الطريقة الأمريكية كـ:

·        المحفل السوري الأمريكي؛ مركزه بيروت ورئيسه المستر سوان.

·        محفل نيويورك؛ مركزه بيروت ورئيسه الأستاذ قمحين.

·        محفل فخر الدين؛ مركزه بيروت ورئيسه سامي الحداد.

·        محفل لبنان؛ مركزه بيروت ورئيسه فايز أسعد.

·        محفل الشوف؛ مركزه بعلقين.

·        محفل البردوني؛ مركزه زحلة ورئيسه جورج صليبا.

·        محفل تربل؛ مركزه طرابلس ورئيسه ميشيل ديبي.

·        محفل أميون؛ مركزه أميون (الكورة).

·        محفل المرج؛ مركزه مرجعيون

§        ثانيًا: وجود محافل ناهجة النهج الاسكتلندي بعضها قديم نسبيًا (بمعنى أنه كان موجودًا قبل الاستقلال)، وبعضها جديد هي:

·        محفل السلام؛ مركزه بيروت ورئيسه عبد الله الرفاعي.

·        محفل الميزاب؛ ورئيسه جاك بل.

·        محفل زحلة؛ ورئيسه إيلي ليون.

§        ثالثًا: وجود محافل أخرى أهمها:

·        محفل الشرق الأكبر اللبناني السوري؛ مركزه بيروت ودمشق، له بضعة محافل فرعية، ويتصل باستمرار بالمنتمين إليه من الدول العربية.

·        محفل حنين قطيني؛ مركزه بيروت وله بضعة محافل فرعية.

·        محفل محمد بدر – الشرق العربي؛ وله بضعة محافل فرعية.

·        محفل حنا أبي راشد؛ مركزه الحازمية بيروت؛ وتتبعه عدد محافل فرعية. وهو، كما تنعته المحافل الأخرى محفل نفعي، وقد سمح بدخول المرأة إلى صفوفه.

·        محفل الشرق الأكبر اللبناني؛ مركزه بيروت، له بضعة عشر محفلاً فرعيًّا؛ رئيسه سليم الترك.[38][38]

ونشير هنا إلى أنه مازالت الماسونية مسموحًا بها في لبنان.

-       أمَّا في سورية...

·        فقد "... دخلت (الماسونية) دمشق (سنة 1889) بمساعي الأمير عبد القادر الجزائري، و(كان) أول محفل تأسَّس فيها هو محفل سوريا شرق دمشق، تحت إشراف شرق إيطاليا الأعظم..."[39][39]. وكان الأمير عبد القادر الجزائري قد "... سمع كثيرًا عن الجمعية الماسونية وما لها من صحيح المبادئ، فتاقت نفسه إلى الانضمام إليها واغتنم فرصة مروره بالإسكندرية أثناء عودته من الحجاز سنة 1864، فانتظم في سلوكها في 18 حزيران بمحفل الأهرام التابع للشرق السامي الفرنسوي، ووافقت مشاربه من كلِّ الوجوه، فأحبها وأحبَّ أهلها، ومال إليها وإليهم كثيرًا، وكان لا يخفي نفسه. وطالما جاهر أنه من أعضائها.[40][40]

·        أما رسميًّا فتقول الوثائق أنه تأسس "محفل سوريا شرق دمشق تحت رعاية شرق فرنسا السامي بموجب براءة مؤرخة في 18 كانون الأول عام 1921، الموافقة لسنة الن... الح... 5921، تحت رقم 17043. وجرى افتتاحه وتأسيسه يوم الجمعة 24 شباط سنة 1922. وهو يجري أعماله طبقًا لدستور وقانون الشرق الأسمى، وهو يشتغل على الطريقة الإيكوسية القديمة والمقبولة"[41][41]...

·        وعام 1924 "... تأسس محفل إبراهيم الخليل تحت رعاية المحفل الأكبر بولاية نيويورك. ومن مؤسِّسيه: داوود المارديني، مصطفى القباني، مصطفى شوقي، عثمان سلطان، خليل الهبل، توفيق بيضون، عبد الرزاق عابدين، رفيق الجلاد ومصطفى القلعي..."[42][42]. كان من أهم أعضائه الأحياء حتى فترة ليست ببعيدة السيد بدر الدين الشلاح (الرئيس الأسبق لغرفة تجارة دمشق) الذي لم يجد في حياته أيَّ حرج بالمجاهرة بماسونيَّته.[43][43]

وأيضًا، كان هناك...

·        محفل نور الشرق، ويحمل الرقم 1058، الذي كان "... من أقدم المحافل الماسونية في سورية ولبنان، [وقد] ضم نخبة من الشخصيات العربية منهم: جبران لويس، فارس الخوري، مصطفى السباعي، عبده القدسي وأمين الأسطواني وعبد الرحمن الشهبندر..."[44][44]. وكان يعمل تحت رعاية المحفل الاسكتلندي.[45][45] وأيضًا وخاصةً...

·        كان هناك محفل خالد ابن الوليد[46][46] الذي كان يعمل تحت رعاية الشرق الأكبر المصري والذي كان عام 1938 برئاسة الأخ المحترم إبراهيم كنعان. وكان من بين أعضائه، حين كان مازال طالبًا بالمدرسة الحربية، جمال فيصل (الذي أصبح من بعدُ، بين عامي 1958-1961، قائدًا للجيش السوري). وأيضًا...

·        في يوم الخميس 31/07/1924 اجتمع مندوبو المحافل المتحابة في سورية ولبنان في دار محفل سوريا، وكان عدد الوفود ستة وعشرين. "... وعقدت الجلسة الأولى في الساعة الثامنة منه... برئاسة الأخ المحترم نعمان أبو شعر، أكبر هيئة المؤتمرين سنًّا. ثم انتخب [الأخوان المحترمون] جميل بيهم لرئاسة الأعمال، وسعيد صباغة لنيابة الرئاسة، وجبران تويني لكتامة السر، يعاونه منح هارون، سجعان عارج وسعيد الغزي. وقد واصل المؤتمرون اجتماعاتهم طيلة أربعة أيام متتالية، عقدوا خلالها سبع جلسات قانونية، ختمت في الساعة الثالثة من بعد الظهر يوم الأحد 3 آب 1924. وقد اتخذ المؤتمر قراراته التي جرى إبلاغها لمقام الشرق السامي الفرنساوي والمحفل الأكبر الفرنساوي ومنها: "... إن الحلفاء احتلوا بلادنا باعتبارها من أراضي العدو، وأنشأوا فيها الإدارات العسكرية المؤقتة، تلبية للضرورات العسكرية المؤقتة يومئذ... وظلت التشكيلات المؤقتة سارية إلى الآن، وقد نتج عن هذه الحالة اضطراب في التشريع والحياة السياسية والعلمية والعمرانية والقومية، لأن بقاء البلاد ست سنوات في حكم مؤقت غير ثابت يوقع الارتباك في فروع حياتهم جميعًا...""[47][47]

وكان هنالك أيضًا عدة محافل أهمها...

·        محفل الزهرة، وقد "... تأسس قبيل الحرب الكونية الثانية، أسَّسه الأستاذ جورج كويتر... وقد تخلَّى عن السلطة المصرية في سنواته الأخيرة."[48][48]

·        محفل العزيز "... أسسه الأستاذ إبراهيم كنعان، تحت سلطة المحفل الأكبر الوطني المصري. ثم عدل عنه لسلطة الشرق العربي...". وكذلك أيضًا وخاصة...

·        محفل طوروس بالإسكندرونة الذي كان يحمل الرقم 1249، وكان "... يعمل تحت رعاية المحفل الاسكتلندي بأدنبره..."،[49][49] قبل أن يصبح من بعدُ تحت رعاية المحفل الأكبر السوري العربي.

·        بتاريخ 14 آذار 1937، وبرعاية الشرق الأكبر المصري، جرى تدشين المحفل الأكبر الإقليمي السوري الشغَّال بالطريقة الإيكوسية القديمة والمقبولة، من اتحاد أربع محافل نظامية هي: 1. محفل قاسيون ش... دمشق. 2. محفل نور الشرق ش... دمشق. 3. محفل فاروق ش... دمشق. 4. محفل خالد بن الوليد ش... دمشق،[50][50] الذي كان يترأسه أيضًا الأخ إبراهيم كنعان والذي كان أيضًا تحت رعاية الشرق الأكبر المصري، وضمَّ عددًا من الشخصيات السورية الهامة...

·        أما الشرق الأعظم السوري الذي كان أول شرق ماسوني (مستقل) في سورية، فقد تأسس في 23 نيسان 1937، وكان يعمل على الطريقة الإيكوسية القديمة المقبولة، ويمنح (بالتالي) الدرجات حتى الثالثة والثلاثين. وقد كان تحت إشرافه ستة عشر محفلاً موزعة في مختلف أنحاء سورية هي:

§        محفل الإيمان رقم 1 شرق دمشق.

§        محفل الأمل رقم 2 شرق دمشق.

§        محفل التوفيق رقم 3 شرق دمشق.

§        محفل الأندلس رقم 4 شرق دمشق.

§        محفل النهضة رقم 5 شرق دمشق.

§        محفل النجاة رقم 6 شرق حمص.

§        محفل الوادي رقم 7 شرق زحلة.

§        محفل الاتحاد رقم 8 شرق دمشق.

§        محفل الإنسانية رقم 9 شرق حماه.

§        محفل الغافقي رقم 10 شرق دمشق.

§        محفل الأنوار رقم 11 شرق حلب.

§        محفل الفيحاء رقم 12 شرق طرابلس.

§        محفل اليرموك رقم 14 شرق درعا.

§        محفل الأربعين رقم 15 شرق بانياس.

§        محفل ذي قار رقم 16 شرق السويداء.

·        وأيضًا، أنشئ المحفل الأكبر الوطني اللبناني السوري عام 1947، "إثر إعلان استقلاله الماسوني عن السلطة المصرية. و[كان] يعمل تحت رعايته أحد عشر محفلاً ومقامان ومجلسان"[51][51]، من أهمها كان محفل العروبة في حمص الذي كان رئيسه حينئذٍ السيد بشير المعصراني. وأيضًا...

·        كان الشرق الأعظم العربي السوري الذي "... أعلن تأسيسه عام 1947 إثر قطع العلاقة بين محفلي الزهرة والعزيز والمحفل الأكبر الوطني المصري... وكان يعمل تحت رعايته أربع محافل هي:

§        محفل العدل رقم 1 (رئيسه المحترم) الأستاذ شاكر الحنبلي.

§        محفل الزهرة رقم 2 (رئيسه المحترم) الأستاذ وجيه الحفار.

§        محفل العزيز رقم 3 (رئيسه المحترم) الأخ إبراهيم كنعان.

§        محفل الحكمة رقم 4 (رئيسه المحترم) د. حاج ويس."[52][52]

·        وأخيرًا، وليس آخرًا، كان المحفل الأكبر السوري العربي الذي كان يترأسه سمو الأمير محمد سعيد حفيد الأمير عبد القادر الجزائري قطبًا أعظمًا، الذي دعا حينئذٍ، عام 1951، إلى الاستقلال التام ماسونيًّا، والذي كان من أعضائه كلٌّ من العقيد أديب الشيشكلي والزعيم فوزي سلو. هذا وقد كان يعمل تحت رعاية هذا المحفل المقامات والمحافل التالية:

§        مقام ابن الوليد لدرجة 18 رقم 4 شرق حمص.

§        مقام ابن هاني لدرجة 18 رقم 5 شرق اللاذقية.

§        مقام الشباب رقم 7 شرق دمشق.

§        محفل الجزيرة رقم 8 شرق القامشلي.

§        محفل أويس القرني رقم 10 شرق المعرة.

§        محفل الحرية رقم 11 شرق سيواس.

§        محفل الوطن رقم 12 شرق قصيري.

§        محفل طوروس رقم 13 شرق إسكندرون.

§        محفل الشمس رقم 14 شرق دمشق.

معلومات مبعثرة ومشتتة، وتفتقر للدراسة والتعمق والتمحيص... لكنها إن كانت تدل على شيء فإنما تدل على سعة انتشار الماسونية في سورية، حتى كان العام 1965 وحلُّها رسميًّا بقرار من السلطات آنذاك،[53][53] مما قد يستدعي ربما...

 

6

كنتيجة ومحصلة لهذا الفصل الأول...

الإقرار بأن هذه الحركة، التي كان لها وجود واسع وتأثير عميق في بلدنا، حتى فترة قريبة، والتي ما زال لها تأثيرها ونفوذها في العالم عامة، وفي أوساط النخب والمثقفين خاصة، تستحق المزيد من البحث والتمحيص – الأمر الذي سنحاول تقصيه من خلال ما سيأتي من بحثنا...

***

 

 

 

الملحق رقم 1

مقتطفات من كتاب الدساتير

لجيمس أندرسُن

فيما يتعلق بالألوهة والدين

"بحكم التزامه، يُعتبَر الماسوني مجبرًا، بالخضوع للقانون الأخلاقي؛ وإن كان فهم فنَّه جيدًا فإنه لن يكون أبدًا ذلك الملحد الأبله، ولا ذلك المتحرر اللاديني."

"رغم أنه في الأزمنة الغابرة كان إلزاميًّا، وفي أي بلد، أن يعتنق الماسون ديانة ذاك البلد، أية كانت هذه الديانة، فإننا نجد أنه من الأنسب عدم إلزامهم بأية ديانة تحديدًا، إنما تلك التي يتفق حولها جميع البشر، وأن تكون لهم كامل الحرية فيما يتعلق الأمر بآرائهم الخاصة. بالتالي، يكفي أن يكونوا أناسًا طيبين ومخلصين، أناسًا أصحاب شرف ونزاهة، وذلك أيًّا كانت الانتماءات الدينية أو القناعات التي تميِّزهم."

"هكذا تصبح الماسونية مركز اتحاد ووسيلة لإقامة علاقات صداقة بين أشخاص كانوا بقوا متفرقين لولاها."

وفيما يتعلق بالسلطة المدنية العليا أو التابعة لها...

"يُعتبَر الماسوني في الواقع تابعًا مسالمًا في كلِّ ما يتعلق بالسلطات المدنية، وأينما كان مقرُّ إقامته أو عمله؛ وبالتالي، لا يُفترَض أن يتورط على الإطلاق في أية مؤامرة أو تآمر يمسُّ سلامة الأمة ورفاهيتها، ولا أن يتصرف بشكل غير لائق تجاه الحكام التابعين. إن الحرب وسفك الدماء، والثورات، كانت دائمًا مُضِرَّة بالماسونية."

... ... ...

"إذا حصل وتمرد أيٌّ من الأخوة ضد الدولة فإنه ينبغي عدم تشجيعه على ذلك، والتعامل معه في نفس الوقت برأفة، وكإنسان بائس الحال. وفي حال لم تتم إدانته بأية جريمة فإنه ليس بوسع الأخوية الوفية – التي يُفترَض فيها أن تستنكر التمرد، من أجل عدم إثارة السلطات القائمة، وعدم إعطائها أيَّ مبرر سياسي يثير الشكوك – طرده من المحفل، بحكم كون العلاقات التي تربطهما علاقات لا تنفصم عراها."

ويحدد البند السادس "السلوكية داخل المحفل"...

"لا تدعو لخلافاتكم كأفراد أو لصراعاتكم أن تعبر عتبة هذا المحفل؛ وتجنبوا خاصةً أية نقاشات حول الديانات، والقوميات والسياسة، لأنه معروف أنه، بحكم كوننا ماسونًا، فإننا لا ندعو إلا لتلك الديانة العالمية التي ذكرنا أعلاه. ولأننا أيضًا من كلِّ الأمم واللغات والأعراق، فإننا نتجنب السياسة التي لم تؤدِّ في الماضي إلى ازدهار المحافل ولن تؤدي إلى ذلك في المستقبل."

 

الملحق رقم 2

في الأسس والمبادئ التي تحدِّد نظامية أي محفل أكبر[54][54]

 

... بتاريخ 4 أيلول 1929 حدَّد المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد United Grand Lodge of England المبادئ والأسس التي يتم بموجبها الاعتراف بنظامية أيِّ محفل أكبر. وهذه الأسس هي:

1.    نظامية الأصول: بمعنى أنه يُفترَض بالنسبة لأيِّ محفل أكبر أن يكون مؤسَّسًا بشكل فعلي ونظامي من قبل محفل أكبر نظامي آخر معترف به أو مما لا يقل عن ثلاث محافل نظامية.

2.    الإيمان ب م... ك... أ... (أي بـ"مهندس الكون الأعظم") وبتجلِّياته كإحدى الشروط الأساسية للأعضاء.

3.    على جميع المسارَرين القَسَم بالتزامهم بواجباتهم على الكتاب المقدس مفتوحًا وواضحًا. بمعنى أن ما يتضمنه من وحي يصبح، بالتالي، مُلزِمًا لضمير الشخص المسارَر.

4.    يجب أن يكون جميع أعضاء المحفل الأكبر والمحافل التابعة له من الرجال حصرًا. ومن غير المسموح لأيِّ محفل أكبر إقامة أية علاقات ماسونية مع محافل مختلطة أو مع منظمات تقبل النساء في صفوفها.

5.    يجب أن يكون المحفل سيدًا ومسيطرًا على جميع المحافل التابعة له. مما يعني أنه يجب أن يكون مسؤولاً حرًّا وسيدًا في حكومته، وأن تكون له سلطة لا تناقش بالنسبة لدرجاته الرمزية (المريد والرفيق والأستاذ الماسوني) التابعين له. وعلى أية حال لا يُفترَض أن يكون منقسمًا على نفسه أو أن يشارك سلطته أيَّ مجلس أعلى أو أية سلطة أخرى قد تتطلب بعض السلطة أو الإشراف على هذه الدرجات.

6.    يفترض أن تكون أنوار الماسونية الكبرى الثلاث، أي تحديدًا الكتاب المقدس والزاوية والفرجار، مبينة بشكل واضح في المحفل خلال أعماله؛ وأهمها الكتاب المقدس.

7.    يمنع في المحفل أيُّ نقاش له علاقة بالدين أو السياسة.

8.    يجب في أعمال المحفل الاتباع الدقيق لنقاط العلام القديمة Ancient Landmarks المحددة وللتقاليد والأعراف.

 

 

أبناء الأرملة...

(الجزء الثاني)

  في الرمزية الطقسية للماسونية التأملية وتدرجاتها...

(محاولة)

 

بقلم: أكرم أنطاكي

 

"... أين أنا؟ ماذا تراني أفعل هنا؟ أتراهم يسخرون منّي؟

ألن أخجل من نفسي مستقبلاً حين أعود لأتذكر كل هذا؟..."

 ليف تولستوي على لسان الكونت بيير بيزوغوف

   الحرب والسلم

  مقدمة...

 لأن القضية، وفي حالنا هذه تحديداً، هي قبل كل شيء، قضية مساررة... وهذا منطقي وطبيعي بالنسبة لجماعة عرَّفت نفسها بكل وضوح منذ البداية بأنها "تنظيم مسارّي نقلي...". ولأنه لكل مساررة تقاليدها وطقوسها. كذلك الأمر بالنسبة للماسونية  العملية أو التأملية. خاصةً وانه كما قال رونيه غينون " ... لم يبقى في العالم الغربي، وكتنظيم مسارّي يستطيع الادعاء بنسب تقليدي حقيقي، إلاّ معلمي الكار والماسونية..."[55][1] لذلك، فإننا سنحاول في هذا القسم من بحثنا، ومن أجل تفهم أكبر لطبيعة الماسونية وأبنائها، تسليط بعض الضوء على ما نعتقد  أنه أهم ما لديهم. نقصد، طقوسهم ورمزيتها...

مؤكدين خاصةً – واستناداً إلى ما يقولونه عن أنفسهم - على الدرجات الثلاثة الأولى. ثم سنحاول، واستناداً إلى نفس المرجعية، فتح نافذة قد تنير الطريق بالنسبة لما قد تعنيه درجاتها العليا... ونبدأ أول ما نبدأ بـ...

 1

الأدوات...

 والتي هي تلك التي يحتاجها البنّاء كي يتمم عمله. لأن الأدوات الأساسية التي تستعملها الماسونية مجازاً ورمزاً هي في الأصل، تلك التي كان يستعملها البناؤون العمليون في الأزمنة القديمة. وأول هذه الأدوات وأهمها – الأمر الذي يجعلها مقترنة بالماسونية كشعار، إن لم نقل رمزها الأساسي – هي الزاوية والفرجار...  

 

اللوحة الأولى – شعار الماسونية واهم أدواتها الرمزية، الزاوية والفجار

حيث تمثل الزاوية العنصر السلبي أو الجامد لكن، الضروري والذي لا غنى عنه لتحديد استقامة وصحة قائمية الحجر و/أو المنشأة. بينما يمثل الفرجار العنصر الإيجابي أو المتحرك الذي يؤكد على ملكة الفكر وتحكمه بالمادة. هذا وتختلف في الرمزية الماسونية، وحسب الدرجات، إن لم نقل، حسب مقدرة البنّاء على التحكم بطبيعة الأشياء، وضعية كل من الفرجار والزاوية أحدهما بالنسبة للآخر. ففي الدرجة الأولى التي هي درجة المبتدئ، ولما كانت المهمة الأساسية المطلوبة من هذا الأخير تتمحور حول صقل نفسه، بحيث تتطور من حجر أصم إلى حجر مصقول ومنحوت يمكن استعماله في البناء، نجد أن الزاوية تأتي من حيث وضعيتها  فوق الفرجار الذي ما زال على المريد تعلم كيفية التحكم به واستعماله كما يجب. أمّا في الدرجة الثانية والتي هي درجة الرفيق فنلاحظ تداخل الإثنين ببعضهما البعض. بينما في الدرجة الثالثة أي في درجة الأستاذ فإننا نلاحظ ركوب الفرجار، الذي هو استحقاقاً أداة المعلم، فوق الزاوية...

ونتابع استعراض باقي الأدوات، وفقاً لأهميتها فننتقل إلى المطرقة والإزميل...  

 

اللوحة الثانية – ومن أهم الأدوات أيضاً، المطرقة والإزميل

اللتين هما الأدتين الرئيسيتين المستعملتين من قبل البنّاء لتشذيب وصقل الحجر الأصمّ. وهذه ترتبط في الماسونية بدرجة المبتدىء أي بالدرجة الأولى. لكنها ايضاً، وخاصةً منها المطرقة، تعتبر من الأدوات الأساسية لرئيس المحفل ولمراقبيه ومن رموز سلطتهم. ونلاحظ هنا أيضاً أننا أمام عنصرين أولهما أيجابي (الا وهو المطرقة) وثانيهما سلبي (الذي هو الإزميل). هاتان الأداتان اللتان يتحدث عنهما أوزفالد فيرث حين يقول أنه "... يستلزم الأمر بطبيعة الحال أداتان (لنحت الحجر الأصم): الأداة الأولى تمثل ما نقرره أصلاً في صميم أنفسنا: وهو الإزميل الذي نتناوله باليد اليسرى، أي العنصر السلبي، الذي يرمز إلى ما نتلقاه فكراً ونميزه تحليلاً. بينما الأداة الأخرى التي تجسد الإرادة المنفّذة: أي المطرقة، فهي رمز السلطة، التي نشهرها باليد اليمنى، أو لنقل العنصر الإيجابي، المرتبط بالطاقة الفعالة والإرادة الأخلاقية التي ينبع عنها كل تحقق فعلي على أرض الواقع..."[56][2].  وأيضاً...

من الأدوات الأساسية التي يستعملها البنّاء، القائم و... المستوي...

 

 

اللوحة الثالثة والرابعة –  ومن الأدوات أيضاً، القائم والمستوي

هذا (المستوي) الذي كما قال بلانتاجينيت "... يمثل... العدالة الفطرية التي لا علاقة لها بتدرج القيم إنما يذكرنا دائماً بأن علينا معالجة كل الأمور بصفاء..."[57][3] امّا القائم فهو كما قالت جيدالج "... رمز البحث - المتعمق – في الحقيقة، ورمز الثقة بالنفس والتوازن الذي يبدو وكأنه يقود إلى غرفة الوسط..."[58][4]  لهذا، يقولون في الماسونية، أنه عندما يصبح المبتدئ رفيقاً فإنه ينتقل من المستوي إلى القائم.

وأخيراً كأدوات، هناك المسطرة والعتلة  والمالج... تلك التي تتجلى قيمتها بكامل أبعادها في الدرجة الثانية أي في درجة الرفيق، من خلال ما يرمز إليه كل منها خلال "الرحلات الخمس" لهذه الدرجة، والتي هي (حسب الطقس) كما يلي:

جدول يبين الأدوات حسب الرحلات والطقس بالنسبة لمريد الدرجة الثانية أي الرفيق

الرحلة

الطقس الإسكتلندي

الطقس الفرنسي

الحق الإنساني

الأولى

المطرقة والإزميل

المطرقة والإزميل

المطرقة والإزميل

الثانية

المسطرة والفرجار

الزاوية والفرجار

الزاوية والفرجار

الثالثة

المسطرة والعتلة

المسطرة والعتلة

المسطرة والعتلة

الرابعة

المسطرة والزاوية

 

الفرجار والكتاب[59][5]

الخامسة

الأيدي حرة

المالج

الأيدي حرة

وهي رموز سنحاول توضيحها بشكل أفضل ضمن سياق بحثنا الذي يقودنا بطبيعة الحال إلى بعض التوسع في الدرجات الأساسية للماسونية. ونبدأ بـ...

 2

رمزية الدرجة الأولى أو... المبتدئ...

  

 

اللوحة الخامسة والسادسة – المبتدىء وشعار الدرجة الأولى حيث نلاحظ وضعية الزاوية فوق الفرجار

1       – لأنه حين يدخل "المريد" الذي ما زال جاهلاً (profane) غرفة التأمل. وهي (كما يفترض) غرفة صغيرة متشحة بالسواد. فإنه يجد أمامه بقايا هيكل عظمي وجمجمة ومنضدة صغيرة وضع عليها بعض أدوات الكتابة – محبرة وريشة وورق – وأيضاً... يجد على المنضدة نفسها قطعة خبز وإبريق ماء وإبريق آخر يحتوي على بعض الكبريت ووعاء يحتوي على بعض الملح... وعلى جدران هذه الغرفة يجد معلقاً بعض الشعارات الغريبة التي تبدو وكأنها تخاطبه حين تقول مثلاً وليس حصراً أنه:

" إن دخلت إلى هنا بدافع من الفضول فاخرج من فضلك... " و...

" إن شعرت بالخوف يتملك نفسك فتوقف ولا تستمر... " ولكن...

" إن قررت الاستمرار، فستتحرر من عناصرك، وتخرج من أعماق الجحيم، وترى النور..."

ويجد أيضاً، (معلقاً) على أحد الجدران، لوحة رمزية تزين الغرفة، وعليها رسوم وكلمات غريبة. كصورة ديك. وأحرف V.I.T.R.I.O.L. وأشياء أخرى...  

  

 

اللوحة السابعة – اللوحة الرمزية المتعلقة بدرجة المبتدىء

ذلك أنه يتوجب على المريد في هذا "السجن" إعادة التفكير بحياته الماضية وتحديد ما يبتغيه من حياته الجديدة المفترضة. كما يتوجب عليه الإجابة بصدق على الأسئلة الثلاثة التي ستطرح أمامه. وأن يكتب وصيته... فماذا يعني كل هذا؟

إنه يعني اولاً، أنه بعد خروجه من هذا المكان سيكون المريد قد مات بالنسبة لحياته الماضية. وأنه أصبح مستعداً لمجابهة مسؤوليات ما تتطلبه حياته الجديدة. تلك التي يتوجب عليه ههنا (وفي هذه الغرفة بالذات) أن يتهيأ لها.

وهذا يعني ثانياً، وكتحصيل حاصل، أن عليه من أجل ذلك الغوص في أعماق نفسه؛ إن لم نقل في أعماق جحيمه. وهذا تحديداً ما تعنيه إختصاراً أحرف V.I.T.R.I.O.L. التي إن أعدناها إلى أصلها اللاتيني " Visita Interiora Terrae Rectificando Invenice Ocultum Lapidem ” تعني "قم بزيارة باطن الأرض تجد صخرة الحكمة المستورة"... وحيث الكبريت والزئبق (و/أوالديك) والملح هي المبادىء الباطنية الثلاثة التي يرمز أولها إلى العنصر المذكر وثانيها إلى العنصر المؤنث وثالثها إلى العنصر الحيادي... أما الخبز والماء فهما يرمزان إلى ما هو أساسي في هذه الحياة حيث يتوجب على المريد تعلّم ضرورات التقشف وأهميته.

ويجيب "المريد" كتابةً على ما يطرح أمامه من أسئلة ثلاثة قد تكون ربما "من أين اتينا؟ ومن نحن؟ وإلى أين نسير؟" ويكتب ما يصطلح على تسميته "وصيته الفلسفية". ثم...

يجرَّد من معادنه (أي مما هو بحوزته في حينه من مالٍ وزينةٍ وأشياء مادية أخرى) فيسلمها إلى الأخ "خادم المحفل". ويُكشف عن الجانب الأيسر من صدره، وبعد تجريده من نعليه يكشف عن ركبته اليمنى، ويلبس خفّاً في قدمه اليمنى، ثم تعرى قدمه اليسرى. وتغطى عيناه بضماد كثيف يمنعه من الرؤيا...

  

اللوحة الثامنة – وتمثل حال المريد )المبتدىء( وهو على وشك دخول المحفل

ما يعني رمزاً أن عليه أن يكون صادقاً (ما يرمز إليه كشف منطقة القلب)، متواضعاً (ما يرمز إليه كشف الركبة اليمنى)، وأن يحترم المكان المقدس الذي هو على وشك تجاوز عتبته (ما ترمز إليه تعرية القدم اليسرى). وأنه ما زال حتى هذه اللحظة أعمى (ما يرمز إليه الضماد الذي يمنعه من الرؤيا).

2       - ثم يؤذن له بعد هذا، بأن يطرق بوابة المحفل التي تنفتح أمامه بصخب... تلك البوابة التي يُسمح له بتجاوز عتبتها شريطة أن يكون حرّ المولد وحسن الأخلاق... فيتقدم إلى داخل المحفل ورأس سيف متألق يضغط بنعومة على صدره. ويقوم برحلاته الرمزية الثلاثة. تلك التي يصفها أوزفالد فيرث[60][6]، كما يلي...

الرحلة الأولى: "... لأن مسار المرء الذي يبدأ التدرب على التفكير الحرّ يكون بادىء ذي بدء كمسار الأعمى. فإننا نراه ينطلق مبتدئاً من الغرب (الذي يرمز إلى العالم الحسّي والملموس)، فيتجه نحو ظلمات الشمال عبر تلك الغابة التي وصفها دانت وحيث يتواجد مختبئاً الغصن الذهبي الذي هو رمز مفتاح أبواب الجحيم. فيتعلم التعميم والاستنتاج وغالباً ما يخطىء... لذلك نراه يعيد الكرة من جديد مصححاً أخطاءه. ما يقوده شرقاً إلى عالم التجريد... ثم يدفعه غرباً (إلى العالم الحقيقي)... وتكون رحلته الأولى هذه مليئةً بالأشواك، فيرتفع فيها إلى القمة ثم يهبط فجأة إلى الأعماق. ويشعر في نهايتها بتعب شديد. وبشعور مرير بالفشل...". وتكون...

الرحلة الثانية: " ... لأن فشله في الأولى لا يدفعه إلى اليأس. لذلك نراه يحاول تلمّس مسببات أخطائه. فيعود أدراجه. ويتقدم بحذر فتتملك الحيرة نفسه...لكنه، في هذه الرحلة، التي تتحقق فيها معموديته الفلسفية (بالماء)، تعود إليه ثقته بنفسه... فيتعلم التفكير بحرية بمفرده، من دون أن يصبح أسيراً لرأي الآخرين... لكن، الحكمة التي تعلمها في هذه الرحلة لا تكفي حيث ما زال عليه إتمام..."

الرحلة الثالثة: "... تلك التي يتوجب عليه فيها التعرف إلى مملكة الجحيم، وهي رمز الحقيقة المختبئة في أعماق قلبه. وأن يجرب لهيب نارها... لكن المريد السائر بخطى واثقة سرعان ما يتجاوز هذه المرحلة بلا صعوبة ويصل إلى هدفه. فيتملكه شعور عميق بالراحة وبالثقة. تلك الثقة الناتجة خاصةً عن حبه العميق للآخرين. وعن هذه النار التي يفترض أن تبقى دائماً في قلبه متألقة لا تنطفىء..."

ويشرب المريد بعد هذا من "كأس المرارة". والتي هي (رمزاً) كأس المسؤولية والحرية. ثم، بعد أدائه القسم أمام الهيكل، و... تعلّم الإشارة وكلمة السرّ المتعلقة بدرجته... تعاد إليه معادنه، ويصبح المريد المبتدىء متدرباً.

 3

في رمزية الدرجة الثانية أو... الرفيق...

 

 

الللوحة التاسعة والعاشرة – الرفيق وشعار هذه المرتبة حيث نلاحظ تداخل الزاوية مع الفرجار

لأنه  "... عندما يتملك المتدرّب ما يكفي من الفهم النظري بحيث يصبح بوسعه استيعاب طقوسية مساررته الأولى، يصبح بإمكانه التطلع إلى المساررة الثانية. عندئذ، يعود الأمر لأستاذه كي يقترح تقديمه إلى المحفل من أجل الحصول على الترقية التي أضحى يستحقها. لكن المشغل لا يعطي قراره إلاّ بعد الاستماع إلى المرشح الذي يتوجب عليه، وأمام باقي الممتهنين، الإجابة على ما يطرح أمامه من أسئلة تتعلق بالدرجة الأولى... ولعل أهم سؤال يتوجب على المريد إجابته في حالنا هو من نحن؟.."[61][7]

ويحضّر المريد لتلقي راتبه الأعلى لكن التحضير في هذه الدرجة، وحسب أوزفالد فيرث، هو تحضير أخلاقي من حيث الأساس[62][8]. بمعنى أنه في هذه المرحلة بات يتوجب عليه أن يوضِّح لإخوانه في المحفل  "... ماذا أعدّ في قلبه للحصول على درجته الثانية..."[63][9]

ونسجل هنا مع الأسف، ما نلاحظه بشكل عام في الحياة، أن هذه الدرجة التي يفترض أن تكون الأهم والمرتكز والأكثر اتساعاً في الماسونية، هي عملياً على أرض الواقع أقلها اتساعاً، وأقلها أهميةً. وهذا قد يعود ربما – حسب جول بوشيه[64][10] - الى عدم تفهم الماسون بمعظمهم لما تعنيه رمزية "الرحلات الخمسة" المرتبطة بهذه الدرجة الأساسية. تلك الرحلات التي يقوم بها المريد بعد أدائه القسم والتي سنحاول إيجازها كما يلي: 

الرحلة الأولى: التي من المفترض أن يكتشف المريد فيها ما تعنيه الحواس الخمسة، أو ربما كما عبر أوزفالد فيرث رمزاً "... تعلم استعمال أدوات مهنته...". "... لأن النظرية تبقى بلا فائدة ما لم تقدنا إلى التطبيق العملي. كما أن العمل يفرض نفسه بنفسه على المريد ما دام يرى الأمور بوضوح وما دامت الغشاوة قد زالت عن عينيه. لهذا فإن من أهم واجبات الرفيق التدرب على العمل من خلال الثقافة المنطقية وقوة الإرادة. لأن عليه إتمام تنوير نفسه وتعلم استعمال هذه الإرادة. وأدواته المعبرة في هذه الرحلة هي المطرقة والإزميل..."[65][11] أمّا في...

الرحلة الثانية: فيتعلم المريد الطامح لأن يصبح رفيقاً معنى الأنظمة الهندسية الأربعة (أو الخمسة حسب بعض المراجع). تلك التي أدواتها الرئيسية الفرجار والمسطرة حسب الطقس الأسكوتلندي (أو الزاوية والفرجار حسب الطقس الفرنسي و/أو الحق الإنساني). "... لأن المسطرة والفرجار يعلمان كيف نوفق بين المطلق والنسبي؛ ما يعني ان لا نرفع مثاليتنا أعلى مما تتوجبه الأمور؛ ما يعني أيضاً أن لا نطلب أبداً شيئاً يستحيل تنفيذه؛ وما يعني أخيراً أن نتجنب الوقوع في أي تصلّب عقائدي غالباً ما يخطىء مساره على أرضية الواقع. من هذا الإدراك، لا يبقى من عائق أمام النفس سوى تلك العوائق التي تضعها المادة والتي يتوجب قياسها وتجاوزها بصبر وذكاء..."[66][12] خاصةً، وأنه ما زال يتوجب على الرفيق أن يتفهم كل أوجه وأبعاد مهنته، ما يعني رمزاً متابعة المسير أو لنقل القيام بـ...

الرحلة الثالثة: تلك التي أدواتها الرئيسية، وفي مختلف الطقوس، المسطرة والعتلة. والتي يربطها الطقس الفرنسي رمزاً بالعلوم بينما يربطها الطقس الأسكوتلندي بالفنون الحرّة السبعة التي يتوجب على الماسوني كما يقول بلانتاجينيت "... أن يصونها كصميم إيمانه، وكما كان يقدمها رمزاً  الدستور القديم للـ(البنائين) العمليين. تلك التي هي تعداداً القواعد والبلاغة والمنطق والحساب والهندسة والموسيقى وعلم الفلك، هذه الفنون التي يتلقى المريد المبتدىء، وإلى يومنا هذا، التعاريف المتعلقة بها..."[67][13] وتتجسد هذه العلوم من حيث الرمز بالعتلة التي "... كما تتجلى في المساررة، ليس بوسع أي شيء أن يقاوم قوتها. إلى حدّ ان أرخميدس حين تحدث عنها كمسار ادعى أن بوسعه بواسطتها رفع العالم..."[68][14]. ونتابع مع...

الرحلة الرابعة: التي أدواتها وفق الطريقة الأسكوتلندية المسطرة والزاوية. وحيث يتعرّف المريد (حسب نفس الطريقة) إلى الفلاسفة الخمسة، والذين هم تعداداً وفق هذه الطريقة: صولون، سقراط، ليسورج، فيثاغوراس ويسوع... وهو تعريف يتجاهله أوزفالد فيرث الذي يفضل من ناحيته هنا أيضاً (وقد يكون محقاً من وجهة نظرنا)، التقيد برمزية الأدوات. تلك التي هي في الحقيقة مسار في منتهى العمق. لأنه يوصلنا في النهاية إلى...

الرحلة الخامسة والأخيرة لهذه الدرجة، والتي يؤكد أوزفالد فيرث بشكل أساسي على طابعها التأملي. "... لأنه، وبعد أن يكون قد بذل كل جهده، يصبح من واجب الرفيق تكريس بعض الوقت للتأمل. أي للاستيعاب الداخلي للملاحظات التي تراكمت عنده خلال رحلاته الماضية. وهي اكتشافات عميقة بات عليه هضمها. وهذا أمر لا يتم مباشرة ولا بسهولة..."[69][15]

إن الطابع العملي لهذه الرحلات قد يفسر ربما، حسب جول بوشيه، عدم الاهتمام الكافي للماسون بهذه المرتبة.[70][16] لكنه، من وجهة نظرنا، لا يبرره إطلاقاً. لأن التجاوز السريع لهذه المرتبة، دون استيعابها كما يجب، هو في الحقيقة تكرار ولو رمزي، ولو غير مقصود ربما، لقتل حيرام الذي يدعي الماسون الانتساب إليه... الأمر الذي سنحاول تفسيره بمزيد من التفصيل لدى تعرضنا لرمزية الدرجة الثالثة. تلك التي قبل الانتقال إليها نجد من الضروري التوقف قليلاً أمام بعض أهم الرموز المتعلقة بالدرجة الثانية؛ والتي نستقيها من اللوحة الرمزية التالية المتعلقة بها...

  

اللوحة الحادية عشر – اللوحة الرمزية للدرجة الثانية

ونبدأ بالنجمة المتوهجة أو النجمة الخماسية.

  

اللوحة الثانية عشر – النجمة المخمسة

لأن هذا الرمز هو الأكثر أهمية في هذه المرتبة. لذلك يتوجب على الرفيق التأمل ملياً في معانيه. وذلك ربما لأنه كان من أكثر رموز الفيثاغوريين قداسةً. لأنه يعيدنا مباشرة إلى الرقم الذهبي الذي كان هؤلاء أول من اكتشفه... و/أو لإنه قد يكون ربما مشتقاً من أكثر الرموز المصرية القديمة قداسةً، ونقصد بهذا رمز الصليب المصري أو العنخ...

  

  اللوحة الثالثة عشر – لقد كان العنخ أحد أهم الرموز المصرية القديمة

أمّا حرف الـ G الذي يتوسط هذه النجمة وكما يظهر في اللوحة، فإنه قد يكون اختصاراً لكلمة إله God  بالإنكليزية حسب البعض، أو قد يعني أيضاً المجد Glory أو العظمة Greatness أو الهندسة Geometry أو الغنوص Gnosis في نفس اللغة حسب البعض الآخر؛ وهو قد يكون ربما أيضاً اشتقاقاً لرمز الملح حسب السيميائيين. و/أو قد يعيدنا أصله إلى الحرف اليوناني G والذي هو أصلاً رمز الزاوية. وأيضاً...

هناك العمودان اللذان أنشأهما حيرام لبوابة الهيكل. وهما كما ورد ذكرهما في العهد القديم (التوراة) "... العمود الأيمن ودعا اسمه ياكين... (و) العمود الأيسر ودعا اسمه بوعز..."[71][17] وهما يشكلان مدخل الهيكل أو لنقل في حالنا، مدخل المحفل.  هذان العمودان اللذان يقف مراقبا المحفل أمام كل منهما. فيقف المراقب الأول أمام العمود الأيمن (أو الجنوبي) ويقف المراقب الثاني أمام العمود الأيسر (أو الشمالي). وايضاً...

  

 

اللوحتان الرابعة عشر والخامسة عشر – العمود الأيمن ويدعى ياكن... والعمود الأيسر ويدعى بوعز

هناك الدرجات السبعة التي ترمز ربما، حسب أوزفالد فيرث، إلى السنوات السبعة التي كان على المريد المبتدئ (وفق التقاليد الفيثاغورية) قضاؤها قبل أن يسمح له بأن يصبح رفيقاً. ما يؤكد، ربما أيضاً، صحة وجهة نظرنا المتعلقة بالأهمية القصوى لهذه الدرجة التي ضمرت وأضحت مهملة، والتي أضحى المرور بها يتم كمرور الكرام. وأيضاً هناك...

النوافذ الثلاثة التي يتلقى منها الرفيق في المحفل النور من الخارج. علىعكس ما كان عليه الأمر في درجة المبتدىً حيث كان المريد المبتدىء يتلقى النور من داخل الهيكل فقط..

وأيضاً، هناك السيف المتوهج الذي يرمز لواجب الدفاع عن المحفل والمقرون بالمالج تلك الأداة الأساسية التي كان يستعملها البناء في المقابل لتحريك وتناول الإسمنت (أو الجبصين) كعنصر ضروري يؤمن لحمة وتماسك حجارة البناء. وأخيراً...

هناك لوحة الكتابة أو المرسم. والتي هي أساساً من أدوات الأستاذ لكن، التي من المفترض أن يطلع عليها ويتفهمها الرفيق كي يتمكن من قراءة المخططات واستعمال الأحرف والأرقام الرمزية التي تلقنه هذه المرحلة مبادئها الأولية. وهذا ما ينقلنا بشكل طبيعي إلى...

 4

رمزية الدرجة الثالثة أو... الأستاذ...

 

 

اللوحتان السادسة عشر والسابعة عشر – المعلم وشعار هذه المرحلة حيث نلاحظ وضعية الفرجار فوق الزاوية

تلك المرتبة التي يفترض أن يكون الأستاذ الماسوني قد تعلم فيها نظرياً ممارسة أسرار فنّه. ذلك الفنّ الذي تدعوه الماسونية بـ"الفنّ الملوكي". فما هو هذا الفنُّ يا ترى؟ أتراه كما قال بلانتاجينيت[72][18] الذي كان يعتقد بأن جماعة الوردة + الصليب هم أصل الماسونية التأملية "... فنّ الحكم في ظل الفعل الشمسي، أي الحكم ليس بالقوة المباشرة وإنما بقوة الروح. حكم هو في الحقيقة للإنسانية وليس للأمم. حكم ليس مجاله الكون اللانهائي إنما محدودية هذه الأرض التي هي أرضنا. لذلك نتفهم لماذا نسبت ممارسة الفن الملوكي إلى الماسونية. فممارسة السلطة على أرض الواقع قد أفسدت الملوك والحكام جاعلةً من "حقهم الإلهي" الذي تستند إليه سلطتهم مجرد شعار أفرغ من محتواه؛ عندما أصبح هذا الفنّ على يدهم مجرد ممارسة ظاهرية لحكمة زال عنها كل ما كان يجعلها في الماضي سرانية ومتلقاة. لذلك نلاحظ إعادة إحياء هذه الحكمة في هياكلنا، لأن كنائسنا التي دنست الديانات باطنيتها قد شوهت وحورت تعاليمها..." ؟ أم تراه كما عبّر أوزفالد فيرث[73][19] مجرد "... سرّ ديني تناقله البناؤون منذ القدم. سرٌّ لم يعد قويماً حين لم تعد المسيحية المنتصرة في زمانها تتقبل أية عقيدة إلاّها. مما فرض على البنّائين من باب الاحتراز التستر وراء سليمان. الأمر الذي أضعف الشكوك بالتقاليد المعمارية المتوارثة والتي أضحت آنذاك مسيحية..."؟ على كل حال، وسواء صحّ التفسير الأول، أم التفسير الثاني، أم الإثنان معاً، فإن سرّ الفنّ الملوكي وما يتبعه من رمزية لهذه المرتبة إنما يدور بشكل أساسي حول أسطورة باني هيكل سليمان، نقصد، أسطورة حيرام...

حيرام الذي كان، كما سبق وأسلفنا في القسم الأول من بحثنا، البنَّاء الحقيقي لهيكل سليمان؛ والذي كما تقول الأسطورة الماسونية، قتله رفاق سوءٍ حاولوا أن ينتزعوا منه "الأسرار المقدسة لمرتبته المهنية العليا".

إن هذه الأسطورة الأساسية والأجمل في الماسونية، هي التي يتوجب أن يعيشها رمزاً، وبكامل طقسوها، الرفيق الطامح إلى الأستذة. وهذا ما يقصّه علينا راجون[74][20] حين يقول أنه: "... كان هناك مهندس متمكن من مهنته، معلم يدعى حيرام، ويتمتع بكل المهارات والمزايا. وقد جاء من تلك البلاد التي يلد النور منها، وعمل سبع سنوات متتالية في بناء هيكل كان يبغي من خلاله جمع البشر تحت سقف عقيدة واحدة، ألا وهي عقيدة الحقيقة. وكان هذا المعلم ينسِّق بين مكونات وأجزاء عمله بفن وبحكمة. فيستيقظ مع الصباح، ويراقب خلال النهار سيرورة العمل وتقدمه. متابعاً عماّله الكثر الذين كان قسّمهم إلى ثلاث مراتب هي: المتدربين، والرفاق والأساتذة (أو المعلمين)؛ بحيث كان لكل مرتبة كلمة سرّها الذي بموجبه كانت تقبض استحقاقها. فكان المتدربون يقبضون راتبهم عند العمود (ي...)؛ والرفاق يقبضون راتبهم عند العمود (ب...)؛ أمّا الأساتذة فكانوا يقبضون راتبهم في غرفة الوسط. وكانت الأعمال قد شارفت على نهاياتها، عندما قرر ثلاث رفاق، غير راضين بما كانوا يتقاضونه من استحقاق، ومتعطشين للحصول بسرعة على المرتبة الأعلى، (قرروا) أن بوسعهم بالقوة انتزاع كلمة سرّ هذه المرتبة. وكان هؤلاء يعلمون أنه عند الظهيرة وحين يذهب الجميع للغداء، كان حيرام يتفقد ورشات البناء لوحده. لذلك قرروا، ومن أجل تحقيق مآربهم الدنيئة، انتظاره عند بوابات الهيكل الثلاث. ويحضر حيرام عند الباب الجنوبي؛ فيجد رفيقاً يطلب منه مهدداً تلقينه كلمة سر المعلم؛ فيجبه حيرام أن ليس بوسعه الحصول عليها بهذه الطريقة، وأن عليه من أجل هذا أن ينتظر بصبر حلول وقته. لكن الرفيق الذي لم يعجبه الجواب، ضرب المعلم بالمسطرة على رقبته. فيتراجع حيرام متفاجئاً نحو البوابة الثانية حيث يجد رفيقاً ثانياً بانتظاره ليسأله نفس الطلب؛ والذي، أمام رفضه الاستجابة ضربه مجدداً ضربةً قويةً بالزاوية على قلبه. فيهرب حيرام مترنحاً من الألم نحو البوابة الثالثة حيث كان ينتظره الرفيق الثالث؛ والذي أمام رفضه المتكرر إعطاءه كلمة سر المعلم ضربه ضربة قويةً بالإزميل على جبينه، وتكون هذه هي الضربة القاضية التي أردته قتيلاً. ويجتمع القتلة بعدما فعلوا فعلتهم ويتساءلون حول كلمة سرّ المعلم التي لم يستطيعوا الحصول عليها. فيتملكهم اليأس لارتكابهم جريمة من دون جدوى. ويقررون إخفاء آثار هذه الجريمة، فيحملون الجثة ويخبئونها بين الأنقاض أولاً؛ ثم عندما يحل الظلام، يأخذونها إلى خارج المدينة حيث يدفنونها في التراب عند أسفل تلة قرب الغابة ويغطون المكان للتمويه بغصن من نبتة السنط أو الفصّة. ولكن... سرعان ما يتنبه العمّال لغياب المعلم. فيسودهم شعور بأن كارثةً وقعت بسبب أولئك الرفاق الثلاثة الذين تغيبوا في حينه عن النداء. وبسرعة يجتمع المعلمون في غرفة الوسط التي جللوها بالسواد، وبعد أن تركوا العنان بعض الوقت لعواطفهم المتأججة من هول الكارثة، يقررون بذل ما في وسعهم كي يجدوا جسد رئيسهم ليدفنوه (إن كان ميتاً) في قبر يليق بمقامه. ويرسلون للبحث عنه تسعة معلمين قسّموا إلى ثلاث مجموعات. وتذهب كل مجموعة في اتجاه مختلف..." وبعد بحث مضن، يجد أحد هؤلاء المعلمين حفنة تراب بدت له وكأنها قد ردمت حديثاً وتغطيها نبتة السنط (أو الفصّة). فينتزع النبتة وتبدو أمامه جثة المعلم التي كانت بدأت تتفسخ. فيصرخ صرخة رعب عظيمة ويستنجد بزملائه...

  

اللوحة الثامنة عشر – نبتة السنط (Acacia)إحدى أهم الرموز الماسونية للدرجة الثالثة

ونتوقف هنا قليلاً. لأنه لما كانت كل الغاية من هذه القصة - الأسطورة - التي تشكل في الماسونية التأملية أساس رمزية طقس الدرجة الثالثة أو الأستاذ هو، حسب نفس المرجعية[75][21]، "... إفهامنا بأن الكذب والجهل والطموح الفارغ هي الأوبئة الرئيسية المدمرة التي تسبب شقاء البشر. فإنه من الأهمية بمكان إعطاء هذه المرتبة وطقوسها كامل ما تستحقه من اهتمام وشروحات أخلاقية وفلسفية...".

ونعود إلى أوزفالد فيرث الذي يقدم شرحاً متميزاً للطقسية النقلية لهذه المرتبة مبتدئاً بما يدعوه السير التراجعي (La Rétrogradation)[76][22] يقول "... أنه عندما يصبح الرفيق جديراً بهذه المساررة العظيمة، فإنه يقاد إلى مدخل مكان مظلم حيث يدعى إلى السير ببطء متدرجاً نحو الخلف وظهره باتجاه الظلام. ذلك (الظلام) الذي سرعان ما يحجب بكثافته رؤية ذلك الشخص الجسور الطامح إلى النور الكامل. لأنه ككل شيء في الماسونية، كذلك فإن لهذا المسير التراجعي تأويلاته المختلفة... (هذه التأويلات التي من أهمها ربما) أنه للحصول على الأستذة فإنه من الضروري جداً التملك العميق لكامل تعاليم الدرجتين الأولين. من هنا تأتي ضرورة استعادة الأستاذ المقبل لكامل مساره المهني وحتى هذه اللحظة.

ويعيد الرفيق مساره متطلعاً إلى النجمة المتوهجة في اللوحة المعلقة ما بين العمودين ي... وب... . لأنها وحدها نجمة الإدراك هذه تنيره خلال تراجعه مبتدئاً  بالرحلة الخامسة... والتي عليه فيها هذه المرة التأمل بما تعنيه تصوراته الخاصة... وحيث (متجرداً من أوهامه) يتوجب عليه أن يدرك بأن جميع الأشياء إنما هي رموز في النهاية؛ لذلك فلا ننخدع بالمُرَمَز إنما دعونا ندخل إلى عمق الرمز نفسه.

ويدرك الرفيق أن ليس بوسعه البتة، في الواقع، تملك الحقيقة الكلّية. تلك التي لا يمكن لأية معادلة الإحاطة بها. لكن، ولمّا كان ما زال يتوجب عليه العمل بثقة، لهذا نراه سرعان ما يجد أمامه وقد عاد إلى رحلته الرابعة، أدوات هذه الرحلة؛ نقصد الزاوية والمسطرة...

وأيضاً، لما كان لا يكفي المعلم مجرد الثقة بنظامه الخاص. ولأنه إن كان بتحقيقه الحجر المكعب المنحوت، إنما يؤثر حتماً على محيطه الذي يرفعه إلى حال تبلور مشابه؛ فإنه يبقى من المفترض أن يعمل بحزم وبقوة لرفع أثقل الأحمال... مما يستدعي استعماله للعتلة التي هي أداة رحلته الثالثة خلال مساره الرفاقي.

... (ثم) يعيد رحلته الثانية مستلهماً المسطرة والفرجار... (المسطرة التي تعيده دائماً إلى الواقع من خلال محدودية قياسها) لأنه وإن كان الفرجار هو أداة المعلم استحقاقاً فإن الإحساس بالواقع (أي المسطرة) هو ما يجعل منه في النهاية أستاذاً.

ولأن على المعلم أن يتعلم القيادة من خلال استعمال المطرقة والإزميل، فإنه لن يتردد في استعادة رحلته الأولى كرفيق. ما يذكّره دائماً بأن عليه، وباستمرار، السعي والعمل على تحسين نفسه...   

ورغم أن الرفيق يكون قد حاول جاهداً أن لا يفقد من ناظره خلال رحلاته التراجعية الخمس هذه النجمة المتوهجة، إلاّ انه سرعان ما يلاحظ بأن نورها قد بدأ يتلاشى عن ناظره، ما يعيده مجدداً لحال يسود حوله فيها ظلام دامس. فيشعر وكأن الضماد قد عاد ليوضع مرة أخرى على عينيه. ويعود ليتجرع مجدداً من كأس المرارة. ما يعني أن عليه تحمل كل الصعاب في سبيل أداء مهمته..." وبالتالي، استمرار المسار التراجعي من خلال استعادة الرحلات الثلاث لتلك المرحلة التي كان فيها مبتدئاً. ما يفهمه بأن عليه دوماً التعلم وإعادة التعلم بلا كلل؛ الأمر الذي يعيده في النهاية إلى ما قد يبدو بالنسبة له من جديد وكأنه غرفة التأمل. وحيث يتساءل عن "... تلك الهياكل العظمية المضيئة التي يراها امامه وعن هذه الدموع المتألقة التي تتحرك على الجدران. وكأن أمواتاً عدة قد ملأوا هذه الغرفة..."[77][23]

 

اللوحة التاسعة عشر – اللوحة الرمزية للمرتبة الثالثة

ويكون الرفيق – المعلم قد أصبح في الواقع في غرفة الوسط. تلك الغرفة التي يكرَّس فيها الأستاذ والتي نستعيد بعضاً مما قاله عنها بمنتهى العمق الرمزي والجمالية، المعلم أوزفالد فيرث حيث قال "... كما كان الأمر بالنسبة لـ(الأسرار الصغيرة) في العصور القديمة، والتي كانت تهيء فقط النفوس المنتقاة للمسارّة الكبرى المخصصة، كذلك هو الأمر حالياً بالنسبة للماسونية التي يجري تلقينها على مرحلتين؛ لأن ما يتعلمه المتدرب المبتدئ والرفيق يتتاليان، ثم سرعان ما نراهما يتحدان ليشكلا معاً مجمل البرنامج التحضيري الذي يستكمله الأستاذ. لأنه لا يمكن الحصول على هذه المرتبة مسبقاً. فهي المحصلة المنطقية للتقدم الحاصل بسبب ما سبقها. لذلك فإنه من الواجب التملك العميق للمرتبتين الأوليين قبل التطلع إلى الثالثة. من هنا تأتي الأهمية الرمزية للمسار التراجعي من أجل العودة إلى نقطة البداية، والانطلاق منها في اتجاه جديد.

لكن تراجع طالب الأستذة لا يؤدي به إلى السرداب الضيق لدفنه حيث مات في المرحلة الأولى، إنما يجعله يغوص أعمق بكثير هذه المرة في باطن الأرض إلى حد ولوج ذلك المركز حيث يتكون فكره الخلاّق. فوحده هذا الفكر الخلاّق بوسعه أن يحي الحقيقة الميتة وأن يعيد الحياة إلى تلك المؤسسات التي دمرها الفساد.

فقد أصبح الآن في هذه المغارة العميقة حيث تحاك تلك المؤامرة الأزلية. أصبح في كهف ميترا حيث يعود ليحيا ذلك النور المحتجب بشكله الأكثر تألقاً. في هذا القبر حيث يدفن الماضي ويتكون المستقبل. في هذا المكان الباطني والمستور الذي لا يمكن ولوجه إلاّ من قبل المسارّين الجديرين بتلقي أعلى التجليات. إن هذا الحرم الذي لا يعرفه إلاّ الأساتذة (المعلمين)، إن هذا المكان هو غرفة الوسط.

لذلك، توجب الأمر بالنسبة للرفيق الذي سمح له بدخول هذه الغرفة تقديم ضمانات جادة. بأنه كان عاملاً دقيقاً ومنتظماً وماهراً وذكياً ومخلصاً كما يشهد على ذلك أساتذته. وأنه خاصةً، ومن خلال سعيه للأستذة، لا يحركه أي غرور أو طموح دنيء. فهو لم يسع إلاّ إلى تحسين نفسه في هذا الفن العظيم بهدف جعل عمله أكثر نفعاً. وهو لم يعمل إلاّ من أجل تقديم خدمات أكبر، وإفادة أكبر لأخوته الم... الأ... الأقل موهبة وعلماً منه.

ويُسأل (الرفيق – المعلم) بصوت جاد يبدو وكأنه آت من أعماق سحيقة، فيجيب المرشح بكل صراحة. ثم يدعى لأن يستدير وأن يؤكد ما صرّح به بالإشارات وبتمثيل المسار المتعلق بالمراتب التي يحملها.

ويكاد الظلام في هذا المكان أن يكون دامساً لولا تلك الجمجمة المتألقة التي تسمح له أن يميز نعشاً وضع أمامه. ويلمح خيالات أشخاص يبدو وكأنه يتملكهم حزن عظيم.

ويعلم حينئذ أن ما بنته الماسونية قد أصبح مهدداً بالانهيار بسبب اغتيال المعلم الذي كان يقود أعمالها... ويعلم أيضاً أن العمل متوقف الآن؛ وأنه لن يستعاد قبل أن يطهّر الرفاق صفوفهم. حيث بات من الواجب على كل رفيق أن يبرهن بأنه بريء من جريمة اغتيال حيرام...”[78][24]

ويكون امتحان المعلّم...

  

اللوحة العشرين – خطوات المرحلة الأولى لتكريس الأستاذ في المرحلة الثالثة وفق الطريقة الأسكوتلندية

(وكما أوردها جول بوشيه)[79][25]

الذي يتوجب عليه (أولاً) "... إن كان يشعر بالصفاء في قلبه أن يتخطى الجثمان الموضوع أمامه. بدءاً من الرأس..." ووفق خطوات محددة كما تبين اللوحة أعلاه فيما يتعلق بالطريقة الأسكوتلندية. ثم... "... بعد الانتهاء من هذه المسيرة يسقط يده اليسرى التي كانت مرفوعة بزاوية قائمة نحو السماء وينزل يده اليمنى من منطقة القلب إلى ما قرب الحالب الأيسر. مبيناً بهذه الحركة أنه مستعد لأن تنتزع أحشاؤه إن لم يقم بواجباته كمعلم.

لقد أصبح (الرفيق) الآن جديراً بأن يعطى الأستذة، ما يرمز إليه واقع أن الجثمان قد أصبح خلفه..."[80][26] ولأنه فهم ما يعنيه التملك التام لنفسه ولمهنته، فإنه (ثانياً)، يقبل الموت مرةً أخرى كي ينبعث مجدداً لحياة جديدة. "... ويمثل المعلم الجديد (مع بعض من في الغرفة) مأساة حيرام. فيُضرب (المعلم المريد المرشح) على التتالي بالمسطرة والزاوية والإزميل. ثم، كما كان الأمر بالنسبة لمهندس الهيكل، يلقى (المعلم – الأستاذ الجديد) أرضاً (حيث يستلقي على ظهره) في ذلك الكفن حيث يحل محل الجسد المفترض لحيرام. فمصيره أضحى من الآن فصاعداً مرتبطاً بكل شيء بمصير المعلم المفقود..."[81][27]

ثم تأتي (ثالثاً) المرحلة الثالثة والأخيرة من طقس هذه المرتبة. حين يجد الأخوة الأساتذة (رمزاً) جثة معلمهم حيرام. فيلتفّون حول الكفن الذي بات يستلقي فيه الآن زميلهم الجديد مشكلين حلقة طقسية. "... وينفصل عنهم رئيس المحفل الواقف عند قدمي الميت، فيمسك باليد اليمنى للجثة من المعصم. ويشدها إليه في الوقت الذي يدفعها المراقبان نحوه من الكتفين، وذلك حتى وقوفها تماماً. بحيث يكون المعلم الذي بعث من الموت مواجهاً تماماً للرئيس الذي يتلقاه فتكون قدمه اليمنى ملامسة لقدمه اليمنى وركبته ملاصقة لركبته، وصدره ملاصق لصدره. ويداهما (اليمنيان) متشابكتان. أمّا اليد اليسرى لرئيس المحفل فتكون ماسكةً (من أجل سنده) بكتف الجثمان المترنح. فالانبعاث لم يكتمل تماماً بعد وإنما..."[82][28]

ما زال يتوجب الأمر (رابعاً) إعطاء المعلم الجديد كلمة السرّ التي يفترض أن تلقن له بصوت منخفض جداً من قبل رئيس المحفل. ويوشوش رئيس المحفل في أذن الأستاذ الجديد كلمة السرّ المتعلقة بهذه المرتبة ويعلمه إشاراتها. بعد هذا، تضاء الغرفة التي كانت مظلمةً بأنوار ساطعة. وتنفتح من جهة الشرق تلك الستارة التي كان يختبىء خلفها "المعلمون المستورون"، ويصبح بإمكان جميع المتواجدين في المكان التواصل فيما بينهم.

وننتهي بهذا العرض المختصر والمعبر تلخيص هذا الطقس الأهم. ولكن أيضاً...

قبل الانتهاء من عرضنا لهذه الدرجة نرى من الضروري المرور ولو باختصار شديد على بعض أهم رموزها الفلسفية. وخاصةً منها، تلك المتعلقة بالأرقام وسرّانيتها. تلك الأسرار التي استقاها الماسون من التقاليد الباطنية القديمة... 

ونبدأ بأسرار الرقم السابع 7 الذي لن نستعرض تأريخ ميثولوجيته كما تناقلتها أساطير شعوب الشرق القديمة إنما، نكتفي فيما يتعلق به، بشرح بعض ما تعنيه الرموز السبعة المرسومة في قلب الوردة الثلاثية الدوائر والتي تزين وزرة المعلم. وكما هي مبينة رمزاً...

  

اللوحة الحادية والعشرين – دوائر الوحدة الثلاثية السباعية

حيث ترمز الدائرة الذهبية والشمس التي تتوسطها (الدائرة الأولى) للروح التي تحرك المادة ولونها هو الأحمر. بينما ترمز الدائرة الفضّية والقمر الذي يتوسطها (الدائرة الثانية) للجوهر السلبي والأساس المتزاوج لكل تشكيل ولونها هو الأزرق. بينما ترمز الدائرة البرونزية أو الرصاصية (الدائرة الثالثة) لزحل أو المادة التي هي الأساس الصلب لأية منشأة ولونها هو الأصفر. أمّا منطقة تداخل الدائرتين الأولى والثانية، فهي ترمز للإبن الناجم عن تزاوج الأب والأم أو لنقل للمثالية والوعي والمسؤولية والتحكم بالذات ولونها هو البنفسجي. بينما ترمز منطقة تلاقي الدوائر الثلاث للمجال الأوسط أو النجمة المتوهجة التي هي الأثير لأن لونها الناجم عن تداخل جميع الألوان هو الأبيض. امّا تداخل الدائرتين الثانية والثالثة فهي ترمز للزهرة أو لنقل للمودة والحنان فلونها هو الأخضر. أمّا تداخل الدائرتين الأولى والثالثة فهي ترمز للمريخ أو لنقل للنار الناجمة عن تفاعلات المادة فلونها هو البرتقالي (أي ما بين الأحمر والأصفر).

أمّا الرقم الثامن 8 فهو يرمز للتوازن الناجم عن الرقم الذي سبقه. وهو رمز بابلي مقدس كان يتمثل في الماضي بتقاطع صليبين مشعين وكما يلي...

 

اللوحتان الثانية والعشرين والثالثة والعشرين – الثماني الشمسي

والرقم 8 يرمز في الماسونية للتجانس البنّاء الذي هو رمز متانة البناء الماسوني الأكبر.

وننتقل إلى الرقم 9 الذي يمكن تمثيله رمزياً بمربع مقسم إلى تسع أقسام متساوية، وفيه سجلت الأرقام من واحد إلى تسعة كما يلي...

  

 

اللوحتان الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين – رمزية الرقم التاسع

وحيث يمثل الصف الأول درجة المبتدىء أو لنقل السبب. والصف الثاني درجة الرفيق أو لنقل الفعل، والصف الثالث درجة الأستاذ أو لنقل الموضوع.

أمّا الرقم 10 فيقودنا إلى بعض القبالة و/أو إلى بعض ما كان يسمى بالعهد القديم بالأرقام أو الأسفار العشرة والتي تمثل رمزاً كما يلي...

  

اللوحة السادسة والعشرين – السفيروت

تلك التي تبغي، من خلال رمزيتها، الربط بين المطلق أو الواحد الذي هو التاج أو الألوهة، بالنسبي أو الخليقة والتي هي العشرة. وذلك مروراً بالإثنين الذي يرمز إلى الحكمة، فالثلاثة التي هي رمز الذكاء، فالأربعة التي هي رمز الرحمة، فالخمسة أو لنقل رمز الجبروت، فالستة التي هي رمز الجمال، فالسبعة التي هي رمز النصر، فالثمانية ألتي هي رمز المجد والجلال، فالتسعة التي تشكل الأساس غير المادي لكامل البناء.

وننتقل من هنا إلى الرقم 11 رمز القوة السحرية والممثل رمزاً كما يلي...

  

اللوحة السابعة والعشرين – النجمة السداسية وفي قلبها النجمة الخماسية

وهذا يفسره ربما، أن هذا الرقم، مؤلف من جمع رقمين هما الخمسة التي ترمز إلى العالم الأصغر أو الميكروكوزم والستة التي ترمز إلى العالم الأكبر أو الماكروكوزم.

أمّا الرقم 12 وهو الرقم المطابق للتقسيم الأقدم للدائرة التي هي رمز الكمال، والممثل رمزاً كما يلي وتبينه اللوحة التالية تفصيلاً...

  

اللوحة الثامنة والعشرين – الزودياك

وننتهي بهذا من رمزية الدرجة الثالثة وننتقل إلى القسم قبل الأخير من هذا الفصل من بحثنا والمتعلق بـ...

 5

الدرجات العليا...

 تلك التي نكتفي فيما يتعلق بها بنقل ما يقوله عنها بعض الأساتذة. كالمعلم أوزفالد فيرث مثلاً الذي يرى "... أن القمة (في الماسونية) هي الأستذة: فمن يشعر بنفسه أستاذاً عن حق وحقيق لا يفترض أن يطمح لأي شيء آخر. لكن، لما كان الواقع ليس كذلك مع الأسف. لما كان كل من مثل دور حيرام لم يتشبع حقيقة روح طقسه. لما كان معظم من تلقى هذا الطقس إنما تلقاه بشكل منفعل ومن دون أن يتأثر به في العمق. لذا نراهم بقوا كما كانوا (على حالهم). ما يجعلنا نتساءل: كم من أصل أولئك الأربعة ملايين ماسوني الذين يحملون المرتبة الثالثة، هم في الواقع أساتذة عن حق وحقيق؟! وحول كم من المحافل يحق لها الادعاء حقيقةً بأنها محافل "صاحبة حق وكاملة"، وهل من يديرها هم أساتذة عن حق وحقيق؟!

ونجد أن الماسونية الرمزية بمجملها ما هي في الواقع، ومع الأسف، إلاّ رمز لما كان يفترض ان تكون في الحقيقة. و(نجد أن الماسون) قد انتبهوا إلى هذا الأمر منذ القرن الثامن عشر. أي منذ بدأت الماسونية بالانتشار. حيث لوحظ أن من كانوا يُدعَون الأستذة، لم يكونوا أساتذة فعلاً. وأن من كانوا يبتغون تطوير أستذتهم، إنما كانوا بحاجة إلى مشاغل أنشئت خصيصاً لهذا الغرض.

لهذا، افترض الواقع أن يتم انتقاء الأفضل من بين المعلمين الإيكوسيين الذين برّروا في العام 1740 تشكيل درجة رابعة من المعلمين الفعليين الذين كانوا ينقصون في المحفال الزرقاء (رمز الدرجات الثلاثة الأول). وأصبح اللون الأحمر هو لون مشاغل الدرجات العليا.

لكن، لمّا لم توفق الدرجة الرابعة عملياً في تجاوز تلك الثالثة على أرض الواقع، فإن كل ما حصل كان مجرد مزاودة أدت إلى مضاعفة الدرجات التي لم تتوقف عند الرقم 4. ولم التوقف عنده والرقم 7 أكثر روعة منه؟ وكان هذا ما حصل... إنه من أجل هدف نبيل، هو تحسين مستوى الماسونية والتحقيق الفعلي للأستذة الحقيقية، انبرت العديد من الطقوس للعمل على وضع تراتبيات لا تنتهي من الدرجات التي أضحت تعرف بالعليا.

من هنا، نفهم لماذا انتقد جميع الذين تعمقوا في دراسة الثلاثي الأساسي والحقيقي للماسونية، بقسوة، ما أسموه "زؤان الدرجات العليا" معتبرين إياها مجرد ترّهات لا  تسهم إلاّ في ضياع الروح وفي تشويه الصورة الحقيقية الماسونية.

ونحن نعتقد أن هذا النقد مبرر إلى حدّ كبير. لأنه إن كانت طقسية الدرجات الثلاث "الرمزية" الأولى تحمل إلى حد كبير في طياتها بصمة المعلمين. فإن لا شيء في المقابل أقل جدارة من رمزية تلك الدرجات التي أسمت نفسها بالفلسفية. فمن كل شيء فيها تفوح رائحة الابتذال. وهي لم تنعكس إطلاقاً، كتركيب مضيء، للفكرة المسارية...

لكن دعونا لا نلقي الحجارة رغم هذا على مخترعي تلك لدرجات العليا لمجرد أنهم أخطأوا في إلهامهم. فهدفهم كان نبيلاً ألا وهو التوصل إلى الأستذة حقيقية. لذلك، نحن نعتقد إنهم إن أخطأوا المرمى خلال بحثهم عن اللغز الأكبر، فإن جهودهم المخلصة تستحق كل التقدير. كما تستحق أخطاءهم المزيد من التعمق والمزيد من الدراسة..."[83][29] ويختتم أوزفالد فيرث تحليله العميق جداً لهذه الظاهرة قائلاً "... وباختصار، فإن ما بوسعنا استنتاجه في المحصلة هو أن الحاجة إلى تلك الدرجات العليا ما كانت لتظهر لو لم تتحول الدرجات الثلاثة الأساسية الأولى إلى مجرد أحرف ميتة. لأنه لو لم يحصل هذا، لو كان بوسع المحافل تخريج معلمين حقيقيين، فإنه سرعان ما ستفقد هذه الدرجات (العليا) مبرر وجودها... لذلك، وبانتظار تحقق هذا الأمر، دعونا لا ندمّر شيئاً مما تم بناءه..."[84][30]  

أمّا إدمون كارتييه لا تانت الذي وإن كان يشارك فيرث في النتيجة، لا يتفق معه في قسوة تقويمه للدرجات العليا فيقول "... أنه لو كان علينا النظر إلى الماسونية من منظور مجرد أو لنقل نظري، فإن تلك الانتقادات القاسية جداً "لزؤان الدرجات العليا" مبررة جداً مع الأسف. ولكن، علينا أن نأخذ كل الاحتمالات بعين الاعتبار، كما علينا أن نبدي ما بوسعنا من تسامح فيما يتعلق بعامل الضعف الإنساني. فجميع أنصار الفنّ الملوكي يكتفون فقط بتلقي درجاته الرمزية؛ لكنهم في الحقيقة لا يحصلون عليها. فالذي بين أيديهم هو مجرد كنز يجهلون قيمته وبالتالي، لا يعرفون كيفية الاستفادة منه. لأن الغاية او الهدف من الدرجات العليا في الماسونية ما هو إلاّ إفهام ما يعنيه العمق الباطني للدرجات الثلاث الأساسية الأولى. خاصةً وأن هذه الدرجات التي لا تدّعي كشف المزيد من الأسرار؛ إنما يقتصر طموحها على مجرد شرح إبعاد هذه الأخيرة من خلال ما تحركه في قلوب أتباعها الساعين للتدرب الفعلي كيف يكون بوسعهم أن يصبحوا رفاقاً حقيقيين وأساتذة حقيقيين. فالدرجة العليا هي الهدف والمثل الذي يجب أن نسعى إليه والذي يتجاوزنا حقيقةً. لأن هيكلنا لن يكتمل أبداً ولأن أي منّا لا يمكنه أن يعيش تماماً في أعماقه حقيقة القيامة الفعلية لحيرام الخالد..."[85][31]    

ونكتفي بهذا القدر مذكرين في نهاية هذا القسم الثاني من بحثنا بأن الدرجات حسب "الطقس الأسكوتلندي القديم والمقبول" هي ثلاث وثلاثون درجة مقسمة كما يلي:

آ – المحافل الزرقاء أو الرمزية وهي تتضمن الدرجات التالية:

1.مريد، 2. رفيق، 3. أستاذ

ب – محافل او ورش الإتقان الخضراء وهي تتضمن الدرجات التالية:

4. أستاذ مكتوم، 5. أستاذ كامل، 6. أمين ثقة، 7. قاض وحَكَم، 8. مدير الأبنية، 9. أستاذ مختار التسعة، 10. أستاذ مختار الخمسة عشر، 11. فارس أعلى منتخب (أو رئيس الأسباط الاثني عشر)، 12. مهندس معلِّم أعظم، 13. الفلك الملكي، 14. معلِّم قديم كامل.

ج – المحافل أو الورش الحمراء وهي تتضمن الدرجات التالية:

15. فارس السيف، 16. أمير بيت المقدس، 17. فارس الشرق والغرب، 18. الأمير الأعظم للصليب الوردي.

د – المحافل أو الورش الفلسفية او السوداء وهي تتضمن الدرجات التالية:

  19. الحبر العظم أو الإيكوسي الأعظم، 20. معلِّم أعظم محترم لجميع المحافل، 21. فارس بروسي أو أستاذ أعظم لمفتاح الماسونية، 22. الفأس الملكي أو أمير لبنان، 23. رئيس المظلة، 24. أمير المظلة، 25. فارس الثعبان البرونزي، 26. أمير الرحمة، 27. القائد الأعلى للمعبد، 28. فارس الشمس، 29. الاسكتلندي الكبير للقديس أندراوس الإيكوسي، 30. المنتخب الأعظم فارس قدوش.

ه – ديوان القضاة ويتضمن الدرجة:

31. القائد المفتش المحقِّق الأعظم.

و – مجمع الكرادلة ويتضمن الدرجة:

32. الأمير السامي للسرِّ الملكي

ز – المجلس الأعلى (ولونه الأبيض) ويتضمن الدرجة:

33. المفتش العام الأكبر الأعظم.

 6

في النتيجة أو المحصلة لهذا الفصل...

الذي قد يشعر المرء في نهايته ببعض الدوار بسبب عمق وصعوبة رمزيته. فإننا نرى ضرورة التمعن والتحليل والمناقشة على أرض الواقع – في عالمنا بشكل عام أو في بلادنا بشكل خاص - ما يمكن أن يعنيه كل هذا، سواء من منظور أهل الظاهر (الذين هم أغلبية ناسنا)، أو من منظور أهل الباطن (الذين هم القلة او النخبة). مناقشة وعرض سنحاول فيها قدر الإمكان تلمّس الحذر والموضوعية...

أبناء الأرملة

3-1

على أرضية الواقع

محاولة

أكرم أنطاكي

 

أنا الكرمة الحق وأبي هو الكرَّام. كلُّ غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكلُّ غصن يأتي بثمر يقضِّبه ليأتي بثمر أكثر..."

إنجيل يوحنا، 15: 1-2

 

مقدمة

وأجدني، في النهاية، حائرًا، غير قادر على الحكم و/أو على اتخاذ موقف قطعي من هذا الموضوع الشائك المعقد، لأنه – ولست أخفي – ثمة جانب من هذه المؤسَّسة الإنسانية يجذبني إليه بشدَّة: وأخصُّ بالذكر هاهنا العمق الروحي والفلسفي والسرَّاني لتقاليدها ورمزيتها وطقوسها. كما أن ثمة، بالمقابل، جانبًا آخر ينفِّرني: وأخصُّ منه بالذكر، هاهنا أيضًا، واقعَ حالها المؤسف وتشعباته على أرضية انحطاطنا الإنساني القائم.

وما يجذبني يجعلني أتفهَّم، إلى حدٍّ كبير، لماذا استحوذت هذه الحركة وقتئذٍ على نخبة النخبة من إنسانيتنا واستقطبتْها – تلك العقول والنفوس العظيمة التي وجدت فيها الملاذ، وعن طريقها ومن خلالها، الوحي. لذا تراني اليوم، على الأقل من خلال الجاذب الذي يسحرني، أتلمَّس خطى عبد القادر الجزائري وجمال الدين الأفغاني، فأنقاد وراء ألحان الناي السحري لموتسارت، وأغوص في أعماق رمزية رونيه غينون وسرَّانية هيلينا بلافاتسكي، وأحلِّق في الآفاق الروحانية والإنسانية الرحبة والمذهلة لكلٍّ من ليف تولستوي ونيكوس كازانتزاكيس. ولكن...

واقع حالها القائم، المقرون بالمحدودية وبالسذاجة، وخاصةً – مع الأسف – بالنفعية المباشرة للكثير من أبنائها، يجعلني أتفهَّم، في المقابل أيضًا، بعض ما واجهتْه – ومازالت تواجهه – هذه الحركةُ من عداء وتشكيك، وخاصة من مؤسَّسات بشرية أخرى – بدءًا من المؤسَّسة الكنسية الكاثوليكية، مرورًا، إبان القرن الماضي، بالأممية الشيوعية وبعض رموز الفكر القومي، وصولاً إلى بعض الحكومات والمرجعيات القوَّامة على بلدانها في منطقتنا اليوم – وإن كانت هذه الأخيرة، أيضًا بحكم بشريتها، ليست – ولم تكن يومًا – أفضل منها حالاً!

وأعاود التفكير من جديد في مجمل ما عرفت وأعرف عنها، وفي مجمل ما قرأت حولها، فأجدني، بادئ ذي بدء، أمام ما قد يبدو لي وكأنه...

1

مشروع دين فلسفي جديد...

لأن "مهندس الكون الأعظم"، أو لنقُلْ "إله الماسون"، هو، مبدئيًّا وفي نهاية المطاف، إله عقل مُحكَم أكثر منه إله قلب، إن لم نقل إنه "إله فلاسفة".

كذلك فإن الماسونية لا تتبنى مبدئيًّا أيَّ دين محدَّد. وهذا ما يبدو جليًّا في نظر كلِّ من اطَّلع على "دساتيرها"، وبمجرد قراءة الأسطر الأولى من افتتاحية هذه الدساتير حيث جاء: "... رغم أنه في الأزمنة الغابرة كان إلزاميًّا، في أيِّ بلد، أن يعتنق الماسون دين ذاك البلد، أيًّا كان هذا الدين، فإننا نجد أنه من الأنسب عدم إلزامهم بأيِّ دين حصرًا، إنما ذاك الذي يتفق عليه جميع البشر، وأن يكون لهم مطلق الحرية فيما يتعلق الأمر بآرائهم الخاصة. بالتالي، يكفي أن يكونوا أناسًا طيبين ومخلصين، أناسًا أصحاب شرف ونزاهة، وذلك أية كانت الانتماءات الدينية أو القناعات التي تميِّزهم..."[86][1]. وبالتالي...

فإن هذا الأمر يضعنا، بشكل طبيعي، أمام مشروع أممي حاول – وربما مازال يحاول – وطمح – وربما مازال يطمح – أن يتجاوز المؤسَّسات الدينية (والمدنية) القائمة، سواء في البلدان التي نشأ وترعرع فيها و/أو بشكل عام؛ مشروع دعا – وربما مازال يدعو – إلى عقيدة يُفترَض أن يتفق عليها البشر، على اختلاف مشاربهم وأديانهم (وهذه أمور قد تسجَّل، من وجهة نظري، في نهاية المطاف، لصالحهم)...

مشروع آمن مؤسِّسوه وفلاسفته آنذاك – وربما مازالوا يؤمنون – بضرورته الملحَّة لأنه، كما عبَّر بكلِّ بلاغة بلانتاجينيه (متحدثًا عن الفنِّ الملكي)، يجب "... إعادة إحياء هذه الحكمة في هياكلنا، لأن كنائسنا التي دَّنست الأديان باطنيَّتها قد شوَّهتْ تعاليمها وحرَّفتْها..."[87][2]؛ الأمر الذي، إن لم تُفهَم منه – بالنسبة للموقف من الأديان والمؤسَّسات الدينية السائدة في أيِّ بلد – حياديةٌ دينيةٌ مطلوبة، فقد يفسَّر، إنْ تجاوزنا حرفية التعبير، على أنه تجاوزٌ للشرائع وعودة إلى جوهر مفترَض، لن يتفق عليه الجميع قطعًا. لذلك...

كان من الطبيعي أن تواجه هذه الحركة، منذ بداياتها، وفي الكثير من الأماكن حيث انتشرت (بدءًا من القارة الأوروبية، وصولاً إلى معظم بلداننا العربية ذات الغالبية الإسلامية المحافظة)، معارضةً قويةً من المؤسَّسات المدنية والدينية السائدة آنذاك.

ونبدأ بالكنيسة الكاثوليكية التي كانت، منذ اليوم الأول، العدوَّ الأساسي والأهم للحركة الماسونية، ولم تزل كذلك (على الأقل نظريًّا ونسبيًّا) إلى الآن. فنسجِّل للتذكير...

أنه في العام 1735، أصدر البابا كليمانت الثاني عشر فقاعة بعنوان In eminenti apostolatus specula ، أدان فيها، لأسباب مختلفة، من ضمنها "... [أسباب] أخرى نعرفها نحن، وهي في الوقت نفسه صحيحة ومنطقية..."، (أدان) التجمعات الماسونية التي "... تقبل في صفوفها، دون أيِّ تمييز، أشخاصًا من مختلف الأديان والمناحي، حيث، وراء ظاهر خلفية صالحة يتم القبول بموجبها، وُضِعَتْ أنظمةٌ تجمع فيما بينهم، وتجبرهم خاصة، تحت طائلة أقسى العقوبات، بالقَسَم على الكتب المقدسة، من أجل الحفاظ على سرٍّ لا يمكن البوح به، ويتعلق بما يجري في تجمعاتهم..."[88][3]. ثم تلاه في العام 1751 تأكيد البابا بونوا الرابع عشر، عبر فقاعته Providas، لإدانة سابقِه.

لكننا نلاحظ، في المقابل أيضًا، أن هذه الإدانات – التي بالإمكان تبريرها، من منظور الكنيسة طبعًا، من جراء ما يُفترَض أنه تشجيع الماسونية للميول الهرطقية و/أو لما يمكن أن تحمله هذه الأخيرة في طياتها من مؤثرات أنغليكانية و/أو بروتستانتية ألمانية – (نجد أن هذه الإدانات) لم تصادق عليها آنذاك، بسبب تطور أوضاع تجاوزتْ على أرض الواقع سلطاتِ الكنيسة، برلماناتُ معظم الدول والممالك الأوروبية، وبالتالي، بقيت يومذاك حبرًا على ورق؛ الأمر الذي قد يفسِّر، ربما، واقع تواجد الكثير من الكهنة في صفوفها. وقد استمرت الأمور على هذه الحال حتى قيام الثورة الفرنسية.[89][4]

ثم كانت إدانات أخرى في بدايات القرن التاسع عشر. لكن الأمور استمرت على هذه الحال العائمة، حتى كان ذلك الموقف الأهم والأعمق عبر رسالة البابا ليون الثالث عشر umanum genus في العام 1884، التي أدان بموجبها الفرمسون بشدَّة، واصفًا إياهم بأنهم أناس "... يريدون التدمير الكامل للسلوكية الدينية والاجتماعية المنبثقة عن المؤسَّسات المسيحية، واستبدال أخرى بها تخصهم، وهي مبادئ تعود، من حيث منطلقاتها الأساسية، إلى النزعة الطبيعية..."[90][5]. ثم تلاه البابا بونوا الخامس عشر، الذي أعطى لجميع هذه الإدانات بُعدًا شرعيًّا؛ فكان البند 2335، الصادر في العام 1915 عن الفاتيكان، الذي تَحْرِم الكنيسةُ الكاثوليكية بموجبه "... كلَّ من ينتسب إلى الملَّة الماسونية أو إلى أية جمعية سرِّية تتآمر ضدَّ الكنيسة وضدَّ السلطات الشرعية..."[91][6].

ونتذكر أنه، في تلك الأيام، كانت الكنيسة الكاثوليكية مازالت تحارب من أجل الحفاظ على سلطاتها المدنية والسياسية على ما تبقى لها من الأرض الإيطالية، وأن ألدَّ أعدائها، والمهدِّدين مباشرة لسلطاتها الدنيوية هذه، كانوا جماعة الوحدة الإيطالية، الذين كان معظمهم من "الكاربوناري" و/أو من الفرمسون. وأيضًا...

كانت الكنيسة قد فقدت الكثير من تأثيرها المباشر في فرنسا، حيث قامت في العام 1789 ثورةٌ أطاحت بالنظام الملكي المطلق الذي كان سائدًا هناك؛ ثورة دَعَتْ، في ذروة عنفوانها، إلى قيام دين العقل، وأعلنتْ ميثاق حقوق الإنسان والمواطن؛ ثورة كان الكثير من شخصياتها، أيضًا آنذاك، من الفرمسون؛ الأمر الذي يفسِّر عداء كنيسة تلك الأيام لهذه الحركة، من جهة، ويضع على بساط البحث أمامنا، بشكل ملحٍّ، من جهة أخرى، عددًا من المواضيع الشائكة التي قد يكون أولها، ضمن سياق بحثنا، موضوع العلاقة بين...

2

الماسونية والسياسة

لأنه، رغم ما تؤكِّده "دساتير أندرسُن"، التي اشترطت اشتراطًا واضحًا عدم تدخُّل المحافل بالسياسة، وأصرَّتْ على ضرورة أن يكون: "... الماسوني في الواقع تابعًا مسالمًا في كلِّ ما يتعلق بالسلطات المدنية، أينما كان مقرُّ إقامته أو عمله؛ وبالتالي، لا يُفترَض أن يتورط على الإطلاق في أية مؤامرة أو تآمر يمسُّ سلامة الأمة ورفاهيتها، ولا أن يتصرف بشكل غير لائق تجاه الحكام التابعين..."، وافترضت، بالتالي، أنه "... إذا حصل أنْ تمرَّد أيٌّ من الإخوة ضدَّ الدولة فإنه ينبغي عدم تشجيعه على ذلك، والتعامل معه في نفس الوقت برأفة، وكإنسان بائس الحال. وفي حال لم تتم إدانته بأية جريمة فإنه ليس بوسع الأخوية الوفية – التي يُفترَض فيها أن تستنكر التمرد، من أجل عدم إثارة السلطات القائمة، وعدم إعطائها أيَّ مبرِّر سياسي يثير الشكوك – طردُه من المحفل، بحكم كون العلاقات التي تربطهما علاقات لا تنفصم عراها."[92][7]

فما نلاحظه يقول إن هذه الافتراضات لم تكن واقعيةً، وبالتالي، لم تكن مصيبةً من حيث النتيجة. وقد كانت هذه الافتراضات غير مصيبة، بمعنى أنه لم يكن بالإمكان تطبيقها، إن لم نقل إنه كان من المتعذر، منذ البداية، فرضُها على الإخوة وعلى المحافل؛ لأنه إن كان مفهومًا ومبررًا جدًّا عدمُ التدخل هذا – من أجل حماية معتقدات "رفاق الكار" وسرَّانية تنظيمهم – عندما كانت الماسونية "عملية"، وعندما كانت الكنيسة مهيمنة ومسيطرة سيطرة شبه كاملة، إلا أن هذا الافتراض أضحى مستحيلاً بمجرَّد أن تحوَّلتْ المؤسَّسة الماسونية افتراضيًّا إلى حركة "تأملية"، وبمجرَّد أن بدأت تزعزِع، على أرض الواقع، سلطاتِ الكنيسة الكاثوليكية في البلدان التي كانت خاضعة لسيطرتها – أقصد بمجرَّد أن تحولت الماسونية إلى مشروع جامع، فلسفي العمق والأبعاد، وبمجرَّد أن بدأ عصر التنوير. لماذا؟ لأن مثل هذا المشروع هو السياسة بعينها... ولكن، ربما، لأنه...

كان من الواجب عندئذٍ الارتقاء في فهم وتطبيق ما يُفترَض أن تعنيه السياسةُ في نظر الفرمسون. ربما لأنه إن كان ضروريًّا ومازال مطلوبًا من الماسونية رفضُ تعاطي السياسة بمعناها المباشر الحزبي و/أو العامِّي و/أو التآمري الممارَس والسائد، فإنه كان – ومازال – من الواجب والمطلوب، في المقابل، وإلى يومنا هذا، فهمُ السياسة وممارستُها – سواء من خلال المحافل أو من قبل أبنائها مباشرة – من منظورها الأرسطي المبدئي، المثالي النبيل.

لكن ما نلاحظه، في نهاية الأمر، يؤكد – مع الأسف! – حقيقةً واحدةً تقول: إن الماسون كانوا، كغيرهم من أتباع المعتقدات والتوجُّهات الدينية والفلسفية الأخرى، مجرَّد بشر لم يتفهَّموا، كما كان ينبغي، عمق فلسفتهم وأبعادها، وأنهم، في كلِّ مكان، تعاطوا – تعاطيًا مباشرًا جدًّا، وغير معمَّق على الإطلاق في معظم الأحيان، إلى هذا الحدِّ أو ذاك، وفق توجُّهات محافلهم – السياسةَ وغيرها من النشاطات الاجتماعية والإنسانية الدنيوية. ونسجِّل، هاهنا أيضًا، مستعيدين التاريخ، وأيضًا للتذكير...

1. أنْ في فرنسا[93][8] (مثلاً)، حيث...

أ‌.       إنه، على الرغم من أن المحافل الماسونية كانت، دائمًا وعامةً، مرتعًا خصبًا للأفكار التحررية، إلا أنها بقيت حتى الثورة (1789) متعايشة، إلى حدٍّ كبير، مع السلطات الملكية، وتدعو أعضاءها للتعبير عن تأييدهم للملكية (من حيث الظاهر على الأقل).

أما في واقع الحال، وكما كان يجري في المجتمع، فقد كانت النار تتأجج تحت الرماد، وكانت المحافل مراكز لتجمُّع المفكرين والفلاسفة والعلماء والمشكِّكين والسياسيين، على اختلاف مشاربهم.

ونلاحظ، في تلك الفترة مثلاً، انتشارها الخاص في أوساط ضباط الجيش الفرنسي العائدين من حرب التحرير الأمريكية؛ كما نلاحظ انتساب عدد من الشخصيات الهامة إليها، كفولتير الذي تلقى مُسارَرته على يد بنجامين فرانكلين في محفل "الأخوات التسع"، ذلك المحفل الشهير الذي ضمَّ آنذاك في جملة أعضائه كوندورسيه وسييس وفريسو وكميل دِهْ مولان ودانتون وفلوريان، الذين لعبوا جميعًا دورًا بارزًا جدًّا في الثورة الفرنسية.

لكننا نلاحظ أنه كان هناك أيضًا، في المقابل، ماسون ملكيون، حاربوا الثورة بشراسة، ودافعوا عن المؤسَّسة الملكية، وعملوا من أجل قضيتها. وقد كان من أبرزهم آنذاك بعض أعضاء العائلة المالكة نفسها، الذين سيعود بعضهم، من بعدُ، ملوكًا على فرنسا، كـ"الأخوين" (صاحبي الجلالة) لويس الثامن عشر وشارل العاشر. وأيضًا...

ب‌.  نلاحظ إبان عهد الإمبراطورية الأولى، أو لنقُلْ إبان حكم نابوليون الأول (الذي نسجِّل للمناسبة أنه لم يكن ماسونيًّا)، ازدهار الماسونية التي كان يترأس أحد أهم توجُّهاتها – نقصد "شرق فرنسا الكبير" – شقيق الإمبراطور، "الأخ" جوزيف بونابارت. ونسجِّل أنه في تلك الفترة تحديدًا تمَّ وضع القانون المدني الفرنسي الذي كان على رأس لجنة صياغته، من الحقوقيين الكبار، "الإخوان" ميرلان وجوبير وفابر دُهْ لود. وأيضًا...

ت‌.  نلاحظ كيف أنه بعد انهيار الإمبراطورية الأولى، عيَّن "الأخ" الملك لويس الثامن عشر قرينه الدوق دُهْ ماييل رئيسًا لـ"معهد الطقوس" في "شرق فرنسا الكبير".

ونسجِّل أنه هكذا، بشكل عام، وعلى الرغم من سيطرةِ منحاها العام المتحرِّر والليبرالي، إلا أن الماسونية الفرنسية ضمَّتْ في صفوفها شخصيات هامة جدًّا من مختلف الاتجاهات السياسية. ونؤكد هنا، خاصةً، على الاتجاهات اليسارية منها: (شخصيات) كبلانكي ولويس بلان، وخاصةً... الشيوعي الطوباوي برودون. وأيضًا...

ث‌.  نلاحظ تطور الماسونية كثيرًا خلال فترة حكم نابوليون الثالث، الذي عيَّن، في كانون الثاني 1862، المارِشال مانيان على رأس "شرق فرنسا الكبير". ولكن، أيضًا وخاصةً...

ج‌.    نلاحظ أنه، بعد انهيار الإمبراطورية الثانية، وإثر هزيمة الجيش الفرنسي في سيدان على يد بسمارك، حقيقة أمرٍ، إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عدم وجود موقف سياسي ماسوني موحَّد على أرض الواقع؛ حيث تشكَّلت في فرنسا آنذاك حكومتان: الأولى دُعِيَتْ "حكومة الإنقاذ الوطني"، برئاسة الكاثوليكي تروشو – وكان تسعة من أعضائها الأحد عشر من الفرمسون، الذين كان من أهمهم غامبيتا وأدولف كريميو وجول فيري (صاحب قانون "العلمانية" الشهير) وإرنست بيكار إلخ؛ كما تشكَّلتْ، في المقابل، حكومةُ معارضة، هي حكومة "كومونة باريس"، التي كان العديد من أعضائها أيضًا من الفرمسون، الذين كان من أهمهم جول فاليس وأودز وراسباي وغوستاف فلورينز.

ونتابع هكذا، مستعرضين إلى ما لا نهاية مختلف تموجات التاريخ الفرنسي، ومن خلاله، تموجات مواقف الإخوة، حتى نصل إلى الأزمنة الحديثة التي شهدتْ ظهور الحركة الاشتراكية والشيوعية، فنتوقف هنا قليلاً لأنه...

ح‌.    قبل أن يعلن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية، المنعقد في موسكو في العام 1922، عدم تطابُق سياسات الحركة الشيوعية وتوجُّهاتها مع الماسونية وإدانته لها، فإن العديد من الإخوة كان قد انتسب عن قناعة إلى الحزب الشيوعي الفرنسي الوليد، وأضحى من أبرز أعضائه، إن لم نقل من أهم قيادييه. نذكر منهم، على سبيل المثال: مارسيل كاشان (صاحب صحيفة l’Humanité) وأندريه مارتي وأنطونيو كوين وباشوليه وشارل لوسي وفروسار إلخ؛ مما استدعى، من بعدُ، قرارًا صادرًا عن المكتب السياسي للحزب (بتاريخ الأول من كانون الثاني 1923) يؤكد على ضرورة أن يختار الإخوة–الرفاق بين التزامهم الحزبي أو الماسوني. وقد خضع آنذاك بعض الإخوة لقرار الحزب، فتنازلوا عن ماسونيتهم، ككاشان ومارتي، بينما رفض بعضهم الآخر ذلك القرار، وتنازلوا عن حزبيَّتهم، كفروسار وموريزه وكوين.

وقد استمر واقع الحال هذا بين مدٍّ وجزر، لكن لصالح الماسون عمومًا، وخاصة منذ زوال الستالينية وما تبعها من متلاحقات أدَّتْ إلى تمايز معظم الأحزاب الشيوعية في أوروبا وفي العالم وإلى استقلالها عن الحزب الأب في روسيا.

خ‌.    وأخيرًا، نسجِّل أن الماسونية التي مُنِعَتْ وحورِبَتْ بشراسة في فرنسا خلال فترة الاحتلال النازي، سواء من سلطات الاحتلال، أو من الحكومة المتعاونة معه في فيشي، عادت شرعيةً ومسموحًا بها من جديد فور استعادة فرنسا لاستقلالها وديموقراطيتها.

2. أو في بلادنا[94][9] (ليس حصرًا)، حيث نلاحظ...

أ‌.       أن الحركة الماسونية، منذ تأسيسها، وإبان تاريخ وجودها العلني كلِّه، ضمَّت العديد من الشخصيات الوطنية العاملة في الحقل العام، إضافة إلى أكابر البلد ووجهائه؛ حيث كان من أعضائها، خلال فترة الانتداب الفرنسي، السادة (مثلاً وليس حصرًا): عبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري ومصطفى السباعي وجبران لويس (المحفل الاسكتلندي رقم 1058)...

ب‌.  وأنها كانت تضم حتى عددًا من ضباط الجيش، الذين من أبرزهم، كما هو معروف: العقيد أديب الشيشكلي والفريق جمال فيصل (قائد الجيش الأول أيام الوحدة)، الذي كان منتسبًا لمحفل "خالد بن الوليد" منذ أن كان طالبًا في المدرسة الحربية... كما نلاحظ أن معظم المنتسبين إليها كانوا من أبناء الطبقة الوسطى، وخاصة من الموظفين الحكوميين أصحاب المراكز.

ت‌.  ونسجِّل أن الماسونية المحلِّية تعاطتْ السياسة بشكل صريح ومباشر جدًّا. لا بل إن هذا التعاطي كان موضع مُطالبة وأمرًا طبيعيًّا في نظر غالبية أبنائها، كـ"الأخ" المحامي خيري رضا (محفل قاسيون)، الذي عبَّر بصراحة، في محاضرة له عن تاريخ الماسونية، أنْ: "... نعم، لتكن لنا كلمة نافذة في إدارة شؤون بلادنا ومقدَّراتها. فحسبنا هذه العزلة الطويلة، وأن يكون لنا رأي مسموع في سياسة بلدنا. ثم ينبغي أن تحسَّ الأوساط السياسية بأن هنالك من يعالجها. ولا يجدر بنا أن يُنظَر إلينا بعين الإهمال، وأن نظلَّ على مثل هذه الحال من الاجتماع للقيام بطائفة من الطقوس والمراسيم التي تتمثَّل، ويعاد تمثيلُها كلَّ أسبوع، دون أن تصل إلى غاية عملية..."[95][10].

وأتوقف هنا قليلاً، لأن مثل هذا الرأي إنما يدل، في نظري، على أمرين خطيرين: أولهما هو التعامل مع الماسونية كتجمُّع سياسي؛ وثانيهما – وهو الأخطر والأعمق من منظوري – ألا وهو تلك النظرة من الاحتقار – إن لم نقل عدم الفهم المطبق – لما يدعوه صاحب العلاقة "الأخ" خيري رضا تلك "... الطقوس التي تتمثَّل، ويعاد تمثيلُها كلَّ أسبوع، دون الوصول إلى غاية عملية..."؛ الأمر الذي أربطه بما سبق أن أشرت إليه، ويتحدث عن سطحية المنتسبين إليها، وخاصة في بلداننا، وسعيهم إلى تحقيق غاياتهم النفعية من خلالها. لأنه، كما عبَّر بمنتهى البلاغة "الأخ" وجيه بيضون: "... الماسونية في هذا البلد فاسدة، فاسدة لآخر حدِّ. وقد أدرك ذلك الغرباء الأباعد، فضلاً عن الإخوان الأدنين. وعللُ الماسونية أخلاقية بحتة، لا تقوم بغير المظاهر، ولا يفيدها الانتساب إلى شرق دون آخر. إذن فليفكر العاملون بالأسباب الجوهرية قبل المظاهر الفرعية، ماداموا عاجزين عن إصلاح أخلاق الأعضاء المنتسبين إلى المحافل. ومادام هؤلاء [الإخوان الماسون] خليطًا مختلفًا، لا يمكن أن تكون بينهم وحدة فكرية، ولا يمكن أن ينشدوا الكمال الذي تتطلَّبه المبادئ الحرة، ولا يعرفون من الماسونية إلا ظواهرها، لأنهم خُدِعوا في الدخول إليها، ولم يطلبوها إلا للربح والكسب على أكتاف غيرهم..."[96][11].

ث‌.  وأسجِّل هنا أن المواقف السياسية العامة للماسون السوريين إنما كانت تتطابق مبدئيًّا مع المواقف الوطنية العامة، حيث كان الكثير منهم من "الكتلة الوطنية" ومن دُعاة الاستقلال والوحدة العربية. لكن، مع تطور الأوضاع بعيد الاستقلال، ومع احتدام الصراع العربي–الإسرائيلي وانهيار الأنظمة الليبرالية في المنطقة لصالح أنظمة عقائدية وعسكرية، حُظِرَت الماسونية رسميًّا في سورية بموجب الأمرين العرفيين رقم 25، تاريخ 10 آب 1965، القاضي بـ"... إلغاء الجمعية الماسونية المسماة بالمحفل الأكبر السوري العربي والمحافل التابعة له في جميع أنحاء القطر العربي السوري، إن وُجِدَتْ. ويُحظَر على المؤسِّسين المنتسبين القيام بأيِّ نشاط لصالح الجمعية، وتُختَم بالشمع الأحمر، وتصفَّى موجوداتُها من قبل لجان وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويلاحَق المخالِفون أمام المحكمة العسكرية المختصة، لإجراء محاكمتهم بجرائم الانتساب إلى جمعية ذات طابع دولي..."، ورقم 26، القاضي بـ"... إلغاء أندية الروتاري الدولي في دمشق وحلب وحمص وفي جميع أنحاء القطر العربي السوري، إن وُجِدَتْ...".

ج‌.    وأسجِّل أيضًا أنه، إبان الفترة نفسها تقريبًا، كان حلُّ المحافل الماسونية في مصر، حيث "طلب [الإخوان الماسون] تسجيل عشيرتهم في وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية.[97][12] ولكنه بعدما رفض الماسونيون إخضاع محافلهم لإشراف الوزارة، عملاً بقانون الجمعيات التي تخوِّل الوزارة حقَّ التفتيش على أعمال الجمعيات ونشاطاتها، للتثبُّت من أنها لا تخالف النظام العام، صدر في حزيران 1964 قرارٌ رسمي بإغلاق وحلِّ المحافل الماسونية في جميع أراضي الجمهورية العربية المتحدة. وقد تمَّ وضع المحفل الماسوني بشارع طوسون تحت الحراسة، وقام الأستاذ علي عوض، نائب الحارس العام، بجرد محتوياته، وتبيَّن من عمليات الإشراف والجرد أن المحفل يُدار طبقًا للقانون الماسوني الإنكليزي، ويعمل جميع أعضاؤه وفقًا لأحكام هذا القانون...".

قرارات تسارعتْ من بعدُ وتلاحقتْ، كان أهمها توصية مكتب مقاطعة إسرائيل (رقم 4 للعام 1977) للحكومات العربية بحظر وإغلاق فروع الحركة الماسونية في أراضيها، وقرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 2309...

لأن الماسونية أضحت، مع الأسف، في معظم الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة، تُربَط بالصهيونية. وهو واقع حال لم يكن حين نشوئها، حيث كانت تُربَط بالحداثة وبالتحرر. لكن...

ح‌.    يبقى أن الماسونية مازالت علنية ومسموحًا بها في بعض الدول العربية، كلبنان وبعض بلدان المغرب العربي، كالمغرب وتونس، وأنه حتى في سورية، حيث هي في حكم المحظورة، مازالت بعض الشخصيات الهامة تجاهر بانتمائها إليها، كالمرحوم السيد بدر الدين الشلاح (أبو راتب)، الرئيس السابق لغرفة تجارة دمشق...

السيد بدر الدين الشلاح الذي كان صديقًا لأهم شخصيات البلاد، والذي اجتمع به تحديدًا الرئيس الأمريكي الأسبق، "الأخ" جيمي كارتر، عندما زار سورية...

جيمي كارتر الذي كان يقف إلى جانب الرئيس الكوبي فيديل كاسترو في أثناء جنازة الرئيس الكندي الأسبق بيير إليوت ترودو...

وأتوقف هنا قليلاً... لأن الحقائق على أرض الواقع تقول إن كوبا – وهو من البلدان الاشتراكية القليلة "الصامدة" إلى الآن – هو البلد "الاشتراكي" الوحيد الذي ظلتْ الماسونية علنية ومسموحًا بها فيه، ولم تتعرَّض لأية مضايقة، منذ انتصار الثورة هناك في الأول من كانون الثاني 1958 إلى الآن.

وأتوقف قليلاً هنا للتأمل في هذا الواقع الذي يقول إن فيديل كاسترو كان – ولم يزل – "ثوريًّا وشيوعيًّا مخلصًا"، وأنه في بلده، حيث فَرَضَ حُكْمَ الحزب الشيوعي الواحد – ولم يزل – لم يتعرَّض إطلاقًا للماسونية كسواه.

وأستقصي الوقائع قليلاً، فأجد أنه كانت للماسونية في أمريكا اللاتينية – ولم تزل لها – تقاليدُها الثورية واليسارية، وذلك منذ أيام سيمون بوليفار؛ مما قد يفسِّر، إلى حدٍّ كبير ربما، موقف كاسترو منها وعدم تعرُّضه لها على الإطلاق. ومما يؤكد ما أذهب إليه في تخميناتي هذه واقعُ أن العديد من أهمِّ الشخصيات اليسارية في أمريكا اللاتينية كانوا من الفرمسون، كالشهيد، الرئيس الأسبق للتشيلي، الرفيق و"الأخ" سالفادور ألليندي... (يتبع)

 

 

 

أبناء الأرملة

3-2

على أرضية الواقع

خاتمة

أكرم أنطاكي

 

... إذن، فقد تعاطتْ المحافل، في كلِّ مكان، وتعاطى الأخوةُ من خلالها، السياسة المباشرة، وذلك خلافًا لما نصَّت عليه دساتيرُهم[98][1] التي افترضت منذ البداية أنْ

يُعتبَر الماسوني في الواقع تابعًا مسالمًا في كلِّ ما يتعلق بالسلطات المدنية، وأينما كان مقرُّ إقامته أو عمله؛ وبالتالي، لا يُفترَض فيه أن يتورط على الإطلاق في أية مؤامرة أو تآمُر يمسُّ سلامة الأمة ورفاهها، ولا أن يتصرف تصرفًا غير لائق تجاه الحكام التابعين. إن الحرب وسفك الدماء والثورات كانت دائمًا مُضِرَّة بالماسونية.

وأنه

إذا حصل وتمرَّد أيٌّ من الأخوة ضد الدولة فإنه ينبغي عدم تشجيعه على ذلك، والتعامل معه في نفس الوقت برأفة، كإنسان بائس الحال. وفي حال لم تتم إدانته بأية جريمة فإنه ليس في وسع الأخوية الوفية – التي يُفترَض فيها أن تستنكر التمرد، من أجل عدم إثارة السلطات القائمة، وعدم إعطائها أيَّ مبرر سياسي يثير الشكوك – طرده من المحفل، بحكم كون العلاقات التي تربطهما علاقات لا تنفصم عراها.

وخاصةً، خلافًا للبند السادس من هذه الدساتير، المحدِّد للـ"سلوكية داخل المحفل" والقائل:

لا تدعوا لخلافاتكم كأفراد أو لصراعاتكم أن تعبُر عتبة هذا المحفل؛ وتجنبوا خاصةً أية نقاشات حول الديانات والقوميات والسياسة، لأنه معروف أنه، بحكم كوننا ماسونًا، فإننا لا ندعو إلا لتلك الديانة العالمية التي ذكرنا أعلاه. ولأننا، أيضًا بحكم كوننا من كلِّ الأمم واللغات والأعراق، نتجنب السياسة التي لم تؤدِّ في الماضي إلى ازدهار المحافل ولن تؤدي إلى ذلك في المستقبل.

وقد تعاطوها – مع الأسف – ليس من منظورها الأرسطي المفترض والمطلوب، بل من منظورها العقائدي والحزبوي الفجِّ المباشر. وهذه قد تكون من دلائل انحطاطهم الذي بدأ، ربما، كأيِّ جسم حي، منذ لحظة ولادتهم، إن لم نقل منذ لحظة تحولهم من مؤسَّسة عملية operative إلى مؤسَّسة تأملية speculative وانفتاحهم على غير "أبناء الكار". فهذا الفعل، في حدِّ ذاته، كان قطعًا فعل سياسة، سواء أقرَّتْ الدساتيرُ به بوصفه كذلك أم لم تقر.

وقد يعترض أحدهم قائلاً إن هذا الفعل آنذاك كان مبررًا، لا بل ضروري، لتثبيت مواقع الأخوة في المدينة؛ وهذا صحيح ربما. لكن، يبقى أنه هنا تحديدًا، ومنذ البداية، كان ينبغي أن يحددوا ما كان ينبغي أن يُفهَم من "السياسة" التي حظروا تعاطيها، وأن يتفهموا أنه لما كان من غير الممكن، ولا الواقعي، منع تعاطي السياسة في المطلق، كان من الواجب، كما أسلفنا، التأكيد على ممارستها من منظور آخر غير مباشر، انطلاقًا من قيم ومبادئ أخلاقية عامة وأزلية.

لكن البشر يبقون بشرًا في النهاية – والماسون بشر كسواهم...

بشر كغيرهم... ولهذا أخطأوا، وانحطوا، كما أخطأ الجميع وانحط.

لأنهم أخطأوا فعلاً، ربما حين قرروا التحول من مؤسَّسة وتجمع سرَّاني عملي إلى تجمع أضاع سرَّانيته من خلال ما افترضه تأمليةً – قطعًا ليس لأن التأملية خطأ، بل لأنهم من خلال تجاهُل سرَّانية طقوسهم القديمة وتعميمها على غير "أبناء الكار"، إنما حملوا، منذ البداية، بذور تحولهم، على أرضية الواقع البشري، إلى منتدى شبه نفعي و/أو إلى تجمع شبه سياسي – كالأديان تمامًا، من خلال مؤسَّساتها والقوَّامين على شرعها، حين نسيت (أو تناست) عمقها الرمزي والباطني، فتحولت إلى مجرد مؤسَّسات وشرائع، مهمتها فرض الحظر والنهي والسهر على التقيد به، أو على "تقييد" المؤمنين به بالأصح.

لقد أخطأوا فعلاً حين لم يراجعوا أنفسهم في العمق، فهربوا إلى الأمام من خلال المزيد من الدرجات والمزيد المزيد من المناحي والتوجهات – كالأديان تمامًا، حين تشبثت، بلا تبصر وإلى ما لا نهاية، بأحد جوانب أو مناحي حقيقة أزلية لا تتجزأ، فتشعَّبتْ من خلاله.

لقد أخطأوا فعلاً – أجل – حين تجاوزوا دساتيرهم وطقوسهم، عوضًا عن أن يمعنوا النظر في أبعادها ورمزيتها؛ حين لم يراجعوها في العمق، فبقوا متمسكين بقشورها ومظاهرها، كموقفهم من المرأة، مثلاً وليس حصرًا.

أجل، لقد أخطأ الماسون فعلاً، ليصلوا – كغيرهم – إلى ما وصلوا إليه اليوم عمومًا من سوء سمعة وانحطاط على مستوى أرض واقعنا البشري القائم.

ولكن، ربما، أيضًا بحكم نخبويتهم وعمق رمزيتهم – هذه المثالية التي جذبت إليهم حينذاك خيرة البشر – كان هناك دائمًا في صفوفهم – ولم يزل – مَن حاول – ومازال يحاول دائمًا وباستمرار وشجاعة – إعادة النظر في سلبياته ونواقصه...

كتجمعات "أصحاب الكار" Compagnons du métier الذين يحاولون اليوم، بكلِّ جمالية وشجاعة، العودة إلى عمليَّتهم القديمة النقلية عن طريق إعادة إحياء تقاليدهم وقواعد فنهم العريقة وتطويرها، وإيجاد قواعد وتقاليد مهنية جديدة للمهن المحدثة. وهي تجمعات أضحت اليوم واسعة الانتشار وحسنة السمعة في مختلف أنحاء القارتين الأوروبية والأمريكية؛ ونأمل أن تعود أيضًا إلى بلادنا لتحيي ما كان يُعرَف في موروثنا الصوفي بـ"الفتوة".

و/أو ربما...

من خلال مراجعة النفس في العمق والعودة إلى رمزية تقاليدهم القديمة، كما في جمعية "عشاق الحقيقة" The Philalethian Society التي تأسَّست في العام 1928 مثلاً، والتي كان ينتمي إليها عدد من كبار الماسون، كالأديب روديارد كبلنغ وأوزفالد فيرث، مثلاً وليس حصرًا.

و/أو خاصة...

من خلال التوجُّه نحو المزيد من الروحانية والعمق الباطني، والتمسك بهما، كبعض المحافل الرمزية الفرنسية، التي نعود فنذكِّر بأهمِّها في هذا السياق:

-       المحفل الأكبر الوطني الفرنسي La Grande Loge Nationale Française

-       المحفل الأكبر النقلي والرمزي – الأوبرا La Grande Loge Traditionnelle et Symbolique – Opéra

-       محفل فرنسا الأكبر La Grande Loge de France

-       الطقس القديم والبدئي لممفيس مصراييم Le Rite Ancien et Primitif de Memphis­Misraïm

-       المحفل الوطني الفرنسي La Loge Nationale Française

ونشير هنا إلى أن هذه المحافل جميعًا ذات توجُّه سرَّاني وروحاني. لا بل إن اثنين منها تحديدًا – وهما المحفل الأكبر الوطني الفرنسي والمحفل الأكبر النقلي والرمزي – الأوبرا، يعملان ضمن سياق فكر وتوجهات المفكر والباحث الروحاني رونيه غينون – هذا المعلم والأستاذ الكبير، الذي طبع الماسونية الروحانية – ولم يزل – بميسمه.

و/أو أيضًا...

من خلال إصلاح نفسها في العمق عبر انفتاحها على الجميع، وإزالة ما علق فيها من مفاهيم وتقاليد بالية: كتلك التي تمنع النساء، مثلاً وليس حصرًا، من أن ينضممن إلى صفوفها. وأذكر هنا بعض هذه التوجهات والمحافل التي خرقت هذه المفاهيم البالية، فاعتُبِرَتْ غير نظامية، مثل:

-       المحفل الأكبر النسائي الفرنسي La Grande Loge Féminine de France

-       الأخوية الماسونية المختلطة الدولية – الحق الإنساني L’Ordre Maçonnique Mixte International – Le Droit Humain

وفي بلادنا، أخيرًا، حيث المطلوب ممَّن تبقى من أبنائها أن يستعيدوا نشاطهم من خلال علنية وشفافية كاملة تنفي ما علق في أذهان الناس من أوهام حولهم، ناجمة إما عن انغماسهم في السياسة المباشرة و/أو من نفعيتهم المفرطة، كما سبق لنا أن بينَّا.

أما وقد حاولنا جاهدين أن نعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه – وخاصة لهذه المؤسَّسة العريقة في رمزيتها وتقاليدها – فلا بدَّ لنا من أن نتساءل: إلى أية نتيجة نتوصل في النهاية يا ترى؟

لست أدري، ومازلت حائرًا فعلاً، وليس في وسعي أن أحدد...

لأني، كما سبق وعبَّرت في مقدمة القسم الثالث من هذا البحث، مازلت

أجدني، في النهاية، حائرًا، غير قادر على الحكم و/أو على اتخاذ موقف قطعي من هذا الموضوع الشائك المعقد، لأنه – ولست أخفي – ثمة جانب من هذه المؤسَّسة الإنسانية يجذبني إليه بشدَّة: وأخصُّ بالذكر هاهنا العمق الروحي والفلسفي والسرَّاني لتقاليدها ورمزيتها وطقوسها. كما أن ثمة، بالمقابل، جانبًا آخر ينفِّرني: وأخصُّ منه بالذكر، هاهنا أيضًا، واقعَ حالها المؤسف وتشعباته على أرضية انحطاطنا الإنساني القائم...

لأن

... ما يجذبني يجعلني أتفهَّم، إلى حدٍّ كبير، لماذا استحوذت هذه الحركة وقتئذٍ على نخبة النخبة من إنسانيتنا واستقطبتْها – تلك العقول والنفوس العظيمة التي وجدت فيها الملاذ، وعن طريقها ومن خلالها، الوحي. لذا تراني اليوم، على الأقل من خلال الجاذب الذي يسحرني، أتلمَّس خطى عبد القادر الجزائري وجمال الدين الأفغاني، فأنقاد وراء ألحان الناي السحري لموتسارت، وأغوص في أعماق رمزية رونيه غينون وسرَّانية هيلينا بلافاتسكي، وأحلِّق في الآفاق الروحانية والإنسانية الرحبة والمذهلة لكلٍّ من ليف تولستوي ونيكوس كازانتزاكيس...

ولكن...

... واقع حالها القائم، المقرون بالمحدودية وبالسذاجة، وخاصةً – مع الأسف – بالنفعية المباشرة للكثير من أبنائها، يجعلني أتفهَّم، في المقابل أيضًا، بعض ما واجهتْه – ومازالت تواجهه – هذه الحركةُ من عداء وتشكيك، وخاصة من مؤسَّسات بشرية أخرى – بدءًا من المؤسَّسة الكنسية الكاثوليكية، مرورًا، إبان القرن الماضي، بالأممية الشيوعية وبعض رموز الفكر القومي، وصولاً إلى بعض الحكومات والمرجعيات القوَّامة على بلدانها في منطقتنا اليوم – وإن كانت هذه الأخيرة، أيضًا بحكم بشريتها، ليست – ولم تكن يومًا – أفضل منها حالاً!

ولكن...

ربما لأن الأهم، من منظوري المتواضع، الذي يتجاوز في الحقيقة جميع المؤسَّسات والأديان والعقائد، يبقى الإنسان في حدِّ ذاته.

وربما لأن الأهم في الماسونية قطعًا يبقى سرَّانيتها وطقوسها، في عمقها وجماليتها...

تراني، في النهاية، أعود إلى واحد من أكبر معلِّميها، متمعنًا وحالمًا. أعود إلى رونيه غينون، الذي تحدث ذات يوم عما هو أساسي فيها، أي المُسارَرة Initiation وسرَّانيتها،[99][2] فقال:

[...] ينبغي، بالتالي، ألا ننسى أنه إذا كانت المُسارَرة الرمزية، التي ليست إلا الأساس للمُسارَرة الفعلية وقاعدتها، هي وحدها بالضرورة التي يمكن منحها خارجيًّا، أو على الأقل الحفاظ عليها ونقلها حتى عن طريق مَن لا يفهم معناها ولا مداها، يكفي أن يحافَظ على الرموز سليمة كي تبقى دومًا قادرة أن توقظ، فيمن هو قادر، كلَّ التصورات التي تمثل اختصارًا لها. ففي هذا [...] يكمن سرُّ المُسارَرة الحق، الذي لا يُنتهَك بطبيعته ويستعصي على فضول الدنيويين، والذي ليست السرية النسبية لبعض العلامات الخارجية إلا تصويرًا رمزيًّا له؛ وهذا السر يمكن لكلٍّ أن يلجه بمقدار يتناسب مع اتساع أفقه العقلي؛ لكنه، حتى وإن تمكَّن من ولوجه تمامًا، لن يستطيع أبدًا أن ينقل فعليًّا إلى امرئ آخر ما لم يفهمه بنفسه؛ ففي أحسن الأحوال يمكن له أن يساعد على بلوغ ذلك الفهم أولئك وحدهم المؤهلين له. [...]

إذن فكل كائن يميل، عن وعي أو عن غير وعي، إلى أن يحقق في ذاته، بالوسائل المتوافقة مع طبيعته الخاصة، ما تسميه الأشكال المُسارَرية الغربية، استنادًا إلى الرمزية "البنائية"، "مخطط مهندس الكون الأعظم"، ويساهم، وفق الوظيفة المنوطة به على الصعيد الكوني، في التحقيق التام لهذا المخطط عينه – تلك الوظيفة التي ما هي إجمالاً غير إضفاء الصفة الكونية على تحققه الشخصي. لأنه عند هذه النقطة بالذات من تطوره، حيث يعي الكائن فعلاً هذه الغاية، تبدأ مُسارَرتُه الفعلية، التي ينبغي أن تقوده تدرُّجًا، وفق مساره الخاص، نحو ذلك التحقق المتكامل الذي لا يتحقق من خلال التطور المعزول لبعض المَلَكات الخاصة، بل بالتطور التام، المتناغم والتراتبي، لكلِّ الممكنات التي تتضمنها ماهية هذا الكائن. وبالتالي، لما كانت الغاية هي عينها بالنسبة لكلِّ ما له المبدأ نفسه، فإنه في الوسائل المستعمَلة لبلوغها يكمن حصرًا ما يختص به كلُّ كائن، منظورًا إليه في حدود الوظيفة الخاصة المعيَّنة له بحكم طبيعته الفردية؛ وهي وظيفة يجب النظر إليها، مهما كانت، بوصفها عنصرًا ضروريًّا في النظام الكوني والكامل. وبحكم طبيعة الأشياء نفسها، تبقى تعددية الطرق الخاصة مادام لم يتم بعدُ تجاوُز مجال الممكنات الفردية.

بهذا فإن التعليم المُسارري، منظورًا إليه في شموليته، ينبغي أن يتضمن – بوصفها عددًا مساويًا من التطبيقات، غير المتعيِّنة من حيث التعدد، لمبدأ واحد متعالٍ – كلَّ طرق التحقق، التي لا تخص كلَّ فئة من الكائنات وحسب، بل وتخصُّ كلَّ كائن فردي منظورًا إليه على حدة. وبالتالي، فإن مبادئ المُسارَرة لا تتبدل، وإن كان يمكن لكيفياتها – بل لا بدَّ لها – أن تتبدل بحيث تتلاءم مع شروط الوجود المتجلِّي العديدة والنسبية؛ وهي شروط يجعل تنوعُها من المتعذر رياضيًّا، بنوع ما، أن يوجد في الكون كلِّه شيئان متماثلان [...]. يمكن لنا، إذن، أن نقول إن من المتعذر أن توجد، لفردين مختلفين، مُساررتان متماثلتان بالدقة، حتى من وجهة النظر الخارجية والطقسية الصرف [...].

فالتعليم المُسارري، الخارجي والقابل للنقل في أشكال، ليس – ولا يمكن له أن يكون – [...] غير تحضير للفرد لاكتساب المعرفة المُسارَرية الحق عن طريق جهده الشخصي. وبذلك يمكن إرشاده إلى الطريق التي عليه انتهاجُها وإلى الخطة التي عليه أن يعمل بها، وإعداده لاتخاذ الموقف الذهني والعقلي الضروريين لبلوغ فهم فعلي، لا نظري وحسب؛ كما يمكن أيضًا مساعدته وإرشاده من خلال مراقبة عمله باستمرار، ليس غير، لأنه ما من أحد آخر، وإن كان "معلمًا" بكلِّ معنى الكلمة، قادر أن يقوم بالعمل المطلوب بالنيابة عنه. فما يجب على المُسارَر أن يكتسبه بالضرورة بنفسه – لأنه ليس في وسع أحد أو شيء تلقينه إياه – هو إجمالاً الاكتساب الفعلي للسرِّ المُسارَري حصرًا؛ ولكي يتمكن من التوصل إلى تحقيق هذا الاكتساب، بمداه كلِّه وبكلِّ ما ينطوي عليه، يجب على التعليم، الذي يفيد بنوع ما أساسًا وقاعدة لعمله الشخصي، أن يكون بطبيعته مفتوحًا على ممكنات غير محدودة بالفعل، فييسِّر له بذلك توسيع تصوراته توسيعًا غير متعين، عرضًا وعمقًا في آنٍ معًا، بدلاً من يغلقها [...].

أما وقد أشار غينون إلى معايير اكتساب هذا السر، إلى أيِّ حدٍّ يا ترى في وسعنا السير بهذا التعليم السرَّاني عندما يتجاوز المراحل الأولى للإعداد والتأهيل، بكلِّ ما يتطلَّبه من شكليات ورموز وطقوس خاصة مرتبطة به؟ وضمن أية شروط يمكن أن يوجد كما ينبغي من أجل تحقيق الغاية المطلوبة، بما يقدِّم مساعدة فعلية لأولئك الذين يقومون بالعمل على أنفسهم، بحيث يكونون في النهاية قادرين على قطف ثماره؟ وكيف تتحقق يا ترى هذه الشروط في تلك التنظيمات ذات الطابع السرَّاني؟ وما الذي تعنيه في الواقع، بشكل دقيق ومحدد، هذه التراتبيات التي تتضمنها تلك التنظيمات؟

إنها تساؤلات كثيرة من المتعذر تناوُلها في مقام ضيق كهذا؛ تساؤلات جديرة فعلاً أن تُعالَج بعمق، من دون أن تتجاوز نتيجة هذه المعالجة حدَّ التفكر والتأمل، وخاصة من دون أن يتملَّكنا الغرور الأجوف أن بوسعنا استيعاب موضوع يتشعب ويتعمق كلما توغَّلنا فيه.[100][3]

لأننا، إن كنَّا نملك ما يتطلب الأمرُ من استعدادات ذهنية ونفسية وعقلية، نراه يتفتح باستمرار عن آفاق معرفية لانهائية...

وأكتفي هاهنا بهذا القدر.